٦٩٩ - وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة صيده الحمار الوحشي، وهو غير محرم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وكانوا محرمين:"هل منكم أحد أمره أو أشار إليه لشيء؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقى من لحمه". متفق عليه.
قوله:"الوحشي" احترازًا من الحمار الأهلي، الحمار الأهلي كان حلالًا في أول الإسلام ثم حرم عام خيبر في السنة السادسة من الهجرة، يركب الإنسان على حماره وإذا جاع ذبحه وأكله، لكن -الحمد لله- حرمه الله؛ لأنه رجس، الحمار الوحشي صيد ما يمكن يمسك.
أبو قتادة رضي الله عنه خرج عام الحديبية من المدينة ولم يرد الإحرام، ما أراد العمرة وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة معه إلى سيف البحر، فصاد حمارًا وحشيًا يقول فيه: قال رسول الله لأصحابه وكانوا محرمين: هل منكم أحد أشار إليه؟ فقالوا: لا، فلم يشر أحد إليه، بل رمحه سقط، وقال: ناولوني الرمح ولم يناولوه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"فكلوا ما بقي من لحمه" وكأنهم أكلوا في الأول ثم صار في نفوسهم شك ثم استأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذا قال قائل: كيف يأكلون منه وهم محرمون؟ نقول: لأن الذي صاده غير محرم فتذكيته حلال وهم ما صادوا، وإنما أكلوا لحم صيد، والحرام على المحرم الصيد، أما نفس الصيد إذا لم يصده ولم يكن منه معونة على صيده ولم يصد لأجله فهو حلال له، ثم انظر للحديث الثاني.
٧٠٠ - وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي لله عنه:"أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا، وهو بالأبواء -أو بوذان- فرده عليه، وقال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم". متفق عليه.
الصعب بن جثامة رضي الله عليه كان رجلًا ضيافًا كريمًا، وكان عداء سبوقًا بصيد الحمر، لما نزل به الرسول صلى الله عليه وسلم -وأكرم به من ضيف- ما وجد أحدًا أكرم منه ضيفًا فذهب يصيد له فأصاب حمارًا وحشيًا وصاده وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رده، فلما رده على الصعب وقد جاء به إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن هذا أمر كبير، ويا له من أمر رسول الله يرد هديته وضيافته فتغير وجهه رضي الله عنه، فلما رأى ما في وجهه اعتذر إليه -صلوات الله وسلامه عليه- وقال:"إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم"، بين له السبب فزال ما في نفسه، وكان هذا القول الذي قيل له كأنه ماء بارد على جسم حار فاطمأن واستراح؛ لأنه لما أخبره أن السبب سبب شرعي لا احتقارًا لما ما قام به الصعب ولا شبهة فيه، لكن لأنهم كانوا محرمين، فهنا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل، وقال لأصحاب أبي قتادة:"كلوا" فكيف نجمع بين الحديثين؟ قال بعض العلماء: إن