وأما الحديث الثاني فيستفاد منه: محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم له لحديث الصعب بن جثامة.
ويستفاد منه: حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث اعتذر عنه رده.
ويستفاد منه: أنه لا يمكن أن يستهان بأمر الله ورسوله مجاملة لأحد؛ لأن الرسول لم يجامل الصعب، بل رده مع ثقله عليه واعتذر له، فلو أن أحدًا أراد أن يجامل شخصًا في أمر محرم فالمجاملة هنا حرام، لكن هل يجامله لأمر يتضرر هو بنفسه لا تضررًا شرعيًا مثل رجل شبعان ومر على شخص هذا الشخص عنده حيس-الجشط: وهو تمر فيه سمن ودقيق -وهو شبعان ومر عليه وأتى له بقدر جشط وقال: تفضل، إن أكل مجاملة يمكن أن يتضرر؛ لأنه شبعان، وإن تركه قد يغضب الثاني، فهل الأولى أن يأكل مجاملة لصاحبه، أو الأولى ألا يأكل ويخبره؟ الثاني أولى، وقد مر علينا أن شيخ الإسلام يقول: إنه إذا كان يخشى أن يتضرر أو يتأذى بالطعام فإنه يحرم عليه.
ومن مجموع الحديثين يستفاد: أن الصيد لا يحرم على المحرم إلا إذا صيد من أجله أو كان له أثر في صيده، هل في الصيد جزاء؟ نعم فيه جزاء بينه الله تعالى في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأَنتُمْ حُرُمٌ ومَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}[المائدة: ٩٥].
قال أهل العلم: فإذا كان الصيد له مثل كالنعامة مثلًا مثليتها البعير يشبهها له عنق طويل وأرجل طويلة، فإذا قتل المحرم نعامة وجب عليه بعير، إذ قال: لا يوجد إبل الآن أو ما أريد أن أذبح وأتعب: قلنا: قدر البعير على قول بعض العلماء أو قدر النعامة على القول الآخر، كم تساوى؟ قال: مائة ريال اشتر بمائة ريال طعامًا ووزعه على الفقراء على كل مسكين نصف صاع. قال: لا أريد أن أتعب، قلنا: إذن قدر مقدار الطعام لكل مسكين، قال: عندنا مثلا إذا اشترينا مائة صاع والصاع أربعة أمداد إذن أربعمائة يوم فصم أربعمائة يوم: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، عن كل مسكين يوم، إن قال: ما أٌدر تعذر كل شيء. قلنا: تسقط عنك؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز عنها إذا لم يكن لها بدال، المهم: أنه يخير بين ذبح المثل أو طعام يقابل إما الصيد وإما المثل على خلاف، فإن لم يفعل صام عن إطعام كل مسكين يومًا وليس بالخيار.