فيستفاد من حديث ابن عباس: جواز حلق الرأس لموضع الحجامة، وهل فيه فديه؟ نقول: لا؛ لأن ظاهر حديث ابن عباس ليس فيه فديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفد وليس هذا كقوله تعالى:{ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]. فإن ذلك في حلق جميع الرأس، وعلى هذا فنقول: المحرم يجوز أن يحتجم في غير رأسه ولو لحاجة دون ضرورة، وأما في رأسه فلا يحتجم إلا إذا دعت الضرورة؛ لأنه لا يحتجم إلا بحلق موضع الحجامة، وهذا يقتضي أن يفعل محرمًا بحلق الرأس، لكنه إذا حلق في الحجامة فلا فدية عليه، ولننظر إلى حديث كعب بن عجرة لأجل أن نتمم التقسيم.
٧٠٣ - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال:"حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا. قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع". متفق عليه.
"أرى" بمعنى: أظن، وإذا جاءت أرى بضم الهمزة فهي بمعنى: أظن، أما أرى فهي إما بمعنى: أبصر إن كانت بصرية، أو بمعنى أعلم إن كانت علمية، و"أرى" تأتي عملية وبصرية، فقوله تعالى:{إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا {٦} ونَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: ٦، ٧]. الأأولى بمعنى: الظن، والثانية بمعنى: العلم، فالله يعلم علمًا بلا ظن. إذن ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى بعيني الآن، ثم قال:"أتجد شاة؟ .... إلخ"، سؤال الرسول صلى الله عليه سولم له:"هل تجد الشاة؟ " ليس على سبيل الإلزام والوجوب، بل على سبيل الأفضلية، وهنا قال له: افعل كذا، يعني: واحلق رأسك، وسبب ذلك أن كعبًا رضي الله عنه كان مريضًا، والمريض عادة لا يتنظف، وإذا لم يتنظف الإنسان مع المرض يكثر فيه الأوساخ، والأوساخ في الرأس إذا كان له شعر يولد القمل فجئ به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والقمل ينزل من رأسه، فعرف صلى الله عليه وسلم أنه مريض، وقد قال الله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ -يعني وحلق- مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة: ١٩٦]. فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق، وأمره بماذا؟ أمره بالفدية؛ إذن نقول: من احتاج إلى فعل محظور فليفعله، ولكن عليه الفدية.
ومن هنا يمكن أن نقسم فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يفعله عالمًا ذاكرًا مختارًا غير معذور هذه أربعة شروط فهذا يترتب على فعله الإثم، وما في هذا المحظور من الفدية فيترتب عليه شيئان: الإثم، وما في هذا المحظور من الفدية.
القسم الثاني: أن يفعله معذورًا بجهل أو نسيان أو إكراه، يعني: يفعله جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا؛ فهذا لا إثم عليه ولا فدية عكس الأول، فلا يتعلق بفعله هذا إثم ولا فدية، وإن كان جماعًا