للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "إن الله حبس عن مكة الفيل"، "حبس" أي: منع، والفيل هو الفيل الذي أتى به أبرهة من أجل أن يهدم الكعبة، والقصة مشهورة معلومة في التاريخ ومعلومة في التفسير، وذلك أن الله تعالى أرسل عليهم طيرًا أبابيل؛ أي: جماعات متفرقة، ترميهم بحجارة من سجيل: حجارة صلبة، فجعلهم كعصف مأكول، وأبادهم عن آخرهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سلطة الله عليها والمؤمنين؛ أي: جعل لهم السلطة عليها في دخولها.

فإن قلت: ما الرابطة بين حبس الفيل وتسليط الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

فالجواب: أن الفيل لو دخل مكة لحصل بنيهم وبين أهل مكة قتال، وانتهكت فيه حرمة الحرم، أما النبي صلى الله عليه وسلم فحصل بينه وبين أهل مكة قتال، وسيأتي بيان أن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت: لماذا منع الله الفيل وسلط رسوله والمؤمنين عليها؟

فالجواب: أن أصحاب الفيل جاءوا لإهانة الكعبة؛ وأما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم- فجاءوا لتعظيم الكعبة؛ ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذبت، بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة"، إذن فالفرق بينهما ظاهر، والحكمة في تسليط الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه دون أصحاب الفيل ظاهرة جدًا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد كان قبلي"، يعني: ما أحد من الأنبياء وأممهم أحل الله له أن يدخل مكة بقتال أبدًا؛ لأن مكة معظمة الأشجار وهي جمادات نامية محترمة فيها كما سيأتي.

قال: "وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من النهار"، وهي ما بين طلوع الشمس إلى صلاة العصر، الوقت الذي لابد فيه من القتال حتى يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار، أحلت للرسول صلى الله عليه وسلم فهي لم تحل لأحد قلبه ولم تحل له حلًا مطلقًا وإنما أحلت له ساعة من نهار بقدر الضرورة.

ثم قال: "وإنها لن تحل لأحد بعدي"، فصارت مكة حرامًا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وحرامًا بعده في أول البعثة وآخرها ولم تحل للرسول صلى الله عليه وسلم إلا ساعة من نهار في كل عهد رسالته صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على عظمة هذا البيت عند الله -سبحانه وتعالى- قال: "فلا ينفر صيدها"، وفي حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".

قال: "فلا ينفر صيدها" معنى: "ينفر" أي: يطرد ولا يزجر ولا يشوش عليه فلو أتيت إلى الصيد وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>