قوله:"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله"(لا) نافية للجنس، والنفي يدور على ثلاثة أشياء: إما أن يكون نفيا لوجود الشيء وإما أن يكون نفيا لصحة الشيء، وإما أن يكون نفيا لكمال الشيء.
يعني: إذا سلط النفي على شيء فإما أن يكون نفيا لوجوده، أو نفيا لصحته، أو نفيا لكماله.
فما هو الأصل؟ أن نفي الشيء نفي لوجوده، فإن تعذر وكان موجودا فهو نفي لصحته؛ لأن انتفاء صحته انتفاء لوجوده شرعا، وإن كان موجودا حسا.
والثالث: إذا تعذر نفي الصحة رجعنا إلى نفي الكمال، وهذا أبلغ سيء، فمثلا إذا قال قائل: لا خالق إلا الله، فهذا نفي لوجوده، لا يوجد أحد خالق إلا الله، وإذا قلت: لا صلاة بغير وضوء، أي: لا صحة؛ لأن من الممكن أن يقوم قائم فيصلي بغير وضوء، لكن إذا صلى فهذه الصلاة لا وجود لها شرعا. لكن الصحة نفي للوجود الشرعي، وإذا قال: لا صلاة بحضرة طعام، هذا نفي للكمال؛ لأن الإنسان قد يصلي بحضرة طعام ويكون قلبه مشوشا من أجل وجود الطعام لكن تصح صلاته، ويكون هذا نفيا للكمال، هذا الذي معنا:"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" تحمله على الوجه الأول؟ لا يمكن؛ لماذا؟ قد يتوضأ ولا يصلي، تحمله على الثاني لا وضوء؟ ممكن هذا هو الأصل؛ أنه لا وضوء له؛ أي: لأنه إذا لم يسم لم يصح وضوؤه، لكن حمله أكثر العلماء على أن المراد: لا وضوء كامل، والذي أوجب لهم ذلك هو أن هذا الحديث بجميع طرقه فيه مقال، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله - إمام أهل السنة-: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء، ولهذا كان جميع الواصفين لوضوء الرسول - عليه الصلاة والسلام- لا يذكرون البسملة، ولو كانت فرضا في صحته لوجب أن يذكروها؛ لأنه لا يمكن أن يصح بدونها.
إذن فالنفي هنا نفي للكمال وليس نفيا للصحة، فلو أن الإنسان توضأ بلا تسمية عمدا مع الذكر والعلم فإن وضوءه صحيح؛ لأن النفي هنا نفي للكمال.
من فوائد هذا الحديث: أن الوضوء لا يصح بدون تسمية بناء على أن النفي للصحة، وبهذا أخذ الفقهاء - رحمهم الله- إلا أنهم يقولون: إن التسمية ليست شرطا، ولا ركنا، ونحن نقول لهم: يجب أن تجعلوها إما شرطا أو ركنا، ولا ضرر بأن يكون الفعل له أركان قولية، فالصلاة - مثلا- أفعل، ولها أركان قوليه، مثل: تكبيرة الإحرام، والفاتحة، والتشهد الأخير، فنحن نقول: إما أن تجعلوه ركنا أو تجعلوه شرطا لكنهم يقولون: لا، إنه واجب يسقط بالنسيان، وهذا غريب، لأننا إذا قلنا: إن النفي هنا نفي للصحة صارت التسمية ركنا أو شرطا لا تسقط بالسهو.
ومن فوائد هذا الحديث: أهمية التسمية؛ لأنه يتوقف عليها إما صحة الوضوء أو كمال