للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإذخر". الإذخر: نبت معروف في الحجاز له سيقان مثل أعواد الكبريت يجعل في القبور وفي البيوت، في القبور يجعل فيما بين اللبنات حتى لا ينهال التراب، وفي البيوت يجعل فيما بين الجريدة في السقف ويوضع الطين فوق السقف، فأول ما نجعل خشب ثم الجريد ثم الإذخر ثم الطين، والآذخر هذا يمنع تساقط الطين من بين الجريدة فالناس في حاجة إليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر".

في هذا الحديث فوائد: أولًا: انتهاز النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة في الخطب حين دعت الحاجة إليها؛ لأنه خطب في وقت يحتاج فيه الناس إلى بيان الأحكام فخطب الرسول فبين الأحكام.

ثانيًا: أن الخطب تبتدأ بالحمد لله والثناء عليه.

ثالثًا: أنه ليس بلازم أن تثني بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعًا: بيان أن الله -سبحانه وتعالى- خالق أفعال العباد بهيمها وناطقها لقوله: "إن الله حبس عن مكة الفيل"؛ لأن الفيل كانوا إذا وجوه إلى مكة حرن وأبى أن يتقدم، وإذا وجهوه إلى اليمن مشي، والذي حبسه هو الله، إذن فعل الفيل في مشيئة الله، ففيه دليل على عموم مشيئته الله في أفعال المخلوقين بهيمها وناطقها.

ومن فوائده أيضًا: أن الله سبحانه له الحكم فيما أراد من خلقه الكوني والشرعي، ولهذا منع كونًا الفيل وأذن شرعًا للرسول صلى الله عليه وسلم فسلطه على مكة ومن معه من المؤمنين.

ومن فوائد الحديث: بيان عظمة الكعبة؛ لأنها لم تحل لأحد من الناس قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تحل للرسول صلى الله عليه وسلم إلا بقدر الضرورة لقوله: "وإنما أحلت لي ساعة من نهار".

ومن فوائده: أن الضرورات تقدر بقدرها لا يزيد الإنسان فيها على قدر الضرورة؛ أي: أن ما أبيح للضرورة لا يجوز أن يتعدى به موضع الضرورة، وهذه قاعدة نافعة في كل الأحكام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبيحت له ساعة من نهار؛ إذ لا يتمكن أن يزيل هذا الكفر والشرك حتى تكون مكة بلاد إسلام إلا بهذا القتال ولولا ذلك ما تمكن ولبقيت محترمة بمن فيها من الكفار ولم يستطع أحد الوصول إليها.

ومن فوائد الحديث: تحريم القتال بمكة لقوله: "وإنها لن تحل لأحد بعدي"، ولكن إذا قوتل الإنسان فيها فله أن يقاتل لقوله تعالى: {ولا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١]. ولهذا أجاز النبي صلى الله عليه وسلم القتل في القصاص؛ لأنه قتل بحق، وهذا القتل أخص من القتال؛ لأنه قد يجوز القتال ولا يجوز القتل، مثال ذلك: لو ترك أهل بلد الأذان والإقامة وجب قتالهم، ولكن لا يجوز قتلهم فإذا استسلموا لا نقتلهم ولا نجهر على جريحهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>