قال لعمار بن ياسر - وقد علمه التيمم-: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا". ولم يسم، والمقام مقام تعليم وبيان، ولا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا القول أصح بمعنى: أن التيمم لا تشترط فيه التسمية بل ولا تسن فيه التسمية، اللهم إلا أن يقول قائل: إنه يدخل في عموم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر". إن قال قائل ذلك فربما يسوغ له هذا، وإلا فالأصل أنه لا يشرع فيه التسمية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم التيمم ولم يقل بالتسمية.
هل نقيس على الوضوء إزالة النجاسة، بمعنى: أنك إذا أردت أن تزيل النجاسة من ثوبك يجب أن تقول: باسم الله.
الجواب: لا، ولا يجوز أن نقيسها؛ لأن إزالة النجاسة من باب الترك، والوضوء من باب الفعل، ولأن إزالة النجاسة لا تحتاج إلى نية، والوضوء يحتاج إلى نية.
إزالة النجاسة لا تحتاج إلى نية، بمعنى: أنه لو سقط ثوبك في الماء وفيه نجاسة، ثم زالت النجاسة في هذا الماء، فإن الثوب يطهر، فهي لا تحتاج إلى نية.
إذن الشيء الذي يمكننا أن نقول: أنه يشترط فيه التسمية هو الوضوء؛ لأنه ورد به النص والباقي بالقياس بعضه قريب وبعضه غير قريب.
من فوائد هذا الحديث: أن التسمية في الوضوء سنة، والذي يجعلنا أن نقول إنها سنة أمران:
الأمر الأول: أن هذا الحديث فيه مقال كما قال الإمام أحمد: لا يثبت في هذا الباب شيء، والأصل براءة الذمة؛ وأننا لا نلزم عباد الله بشيء إلا بدليل، يعني: أين حجتك عند الله؟ إذا أراد إنسان أن يتوضأ ولم يسم ثم قلت له: أعد الوضوء بطلت عبادتك أين حجتك عند الله؟ والمسألة ليست هينة فهذا دين وستسأل يوم القيامة: لم أفتيت في هذا وأنت لا تعلم؟ فلذلك نقول: لا يظهر أنها واجبة ولا أنها شرط ولا أنها ركن؛ لأن الحديث هذا فيه مقال، وإذا كان فيه مقال فلا يمكن أن نلزم عباد الله به وأن نبطل عبادتهم.
الدليل الثاني: أن جميع الواصفين لوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم والذين علموا الناس كعثمان رضي الله عنه لم يذكروا التسمية، وعثمان علمه للناس وهو خليفة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يذكر التسمية، ولو كانت التسمية شرطا أو واجبا لكانت مما تتوافر الهمم على نقله ولنقل هذا وبين للناس بيانا شافيا، أما الأشياء المقيسة عليه وهي الغسل والتيمم وإزالة النجاسة فقد عرفتم ما فيها.