وعلى الرعاة أيضًا، فإن كان لمصلحة خاصة مثل أن تضيع بعيره فيخرج من منى يطلبها، أو يضيع ولده مثلًا فيخرج من منى يطلبه، أو يكون مريضًا يحتاج إلى أن ينتقل إلى المستشفى خارج منى فهل يلحق بهذا أو لا؟ قال بعض العلماء: إنه يلحق؛ لأن هذا عذره عام وهذا عذره خاص، وقد تكون الضرورة في العذر الخاص أشد، وقال بعض العلماء: لا يلحق، وذلك لأن من يشتغل بالمصلحة العامة لا يشتغل في الواقع لنفسه إنما يشتغل لغيره، ولهذا يرخًّص للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يدع صلاة الجماعة ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يرخص للإنسان على وجه الانفراد إلا بعذر يبيح ترك الجماعة، ولكن الذي يظهر أن الشارع يخفف في هذا الواجب؛ لأنه ما دام أذن للرعاة والغالب أن الراعي يشتغل بأجرة، فيكون لمصلحته فالظاهر أن الشارع يرخص في هذا الشيء ويسهل فيه، فإذا كان لإنسان عذر خاص من مرض أو غيره فإنه يعذر في ترك المبيت ولا شيء عليه، ولو فرض أن رجلًا نزل للطواف ولم يتمكن من الوصول إلى منى إلى بعد منتصف الليل إن كان لعذر فلا بأس يسقط عنه، وإن كان لغير عذر فلا يسقط عنه يعني: مثلًا رجل انتهى من الطواف والسعي وركب السيارة لكن نظرًا لزحام السيارات ما وصل إلى عند طلوع الفجر هذا لا شيء عليه؛ لأنه معذور ثم كما قلنا قبل قليل الليلة الواحدة ليس فيها شيء؛ يعني: ليس فيها فدية.
فائدة:
لو وكل رجلًا ليرمي عنه لا يخرج حتى يرمي وكيله إلا إذا كان سيقع عليه ضرر مثل أن تكون الطائرة سيلحقها ولو تأخر الطائرة التي تليها ستقلع بعد شهر وسيقع عليه ضرر كثير، فهذا كالمحصر بمعنى: أنه يذبح هدي عن ترك الرمي والوداع، وأما المبيت فهو ليلة واحدة يطعم عنها، مع أن الوداع لو وداع في هذه الحال قد يقال: إنه يسقط عنه دم الوداع.
كنا قد تكلمنا عن الرمي والحلق والطواف، أم الرّمي والحلق فدليله عرفتموه، وأما الطوف فليس فيه دليل من السُّنة، لكن قالوا: إنه لما كان له تأثير في الحلّ الثاني فإنه له تأثير في الحل الأول، الحل الثاني كيف؟ لأنه إذا رمى وحلق حلّ التحلل الأول؛ فإذا طاف وسعى حلّ التحلل الثاني؛ إذن فللطواف تأثير في الحلّ، فلما كان له تأثير في الحل قلنا: إنه إذا فعله مع الرمي أو مع الحلق فإنه يحل التحلل الأول هذا وجهه، ومع هذا فإنه ينبغي ألا يحل حتى يرمي ويحلق إتباعًا للنص، لكن لو أفتى مفت بذلك بناء على هذا القياس لم يكن بعيدًا، ولكن