وهل يقاس على الرعاة من يشبههم ممن يشتغلوا بمصالح المسلمين العامة كجنود المرود وجنود الأمن وجنود الإطفاء والمشتغلين بالبريد؟ نعم لا شك في هذا أنهم يلحقون بهم، فلهم أن يدعوا المبيت ولهم أن يجمعوا الرمي جمع تأخير في آخر يوم.
وهل يلحق بهم في تأخير الرمي من كان معذورًا بمرض أو نحوه مثل أن يصيب الإنسان زكام في اليوم الثاني ويؤخر لليوم الثالث؟ الجواب: نعم للمشقة، وما دمنا نعلم - والعلم عند الله - أن العلة في جواز التأخير لهؤلاء الرعاة هو المشقة، نقول: من شق عليه أن يرمي كل يوم في يومه فله أن يؤخر.
مسألة الاستنابة في الرمي وضوابطه:
ماذا يصنع من لا يستطيع أن يرمي أبدًا؟ قال بعض العلماء: إنه يسقط عنه الرمي؛ لماذا؟ قال: لأن الرمي واجب، والواجبات تسقط بالعجز عنها بنص القرآن:{لا يكلِّف الله نفسًا إلَّا وسعها}[البقرة: ٢٨٦]. {فاتَّقوا الله ما استطعتم}[التغابن: ١٦]. فإذا عجز فإنه لا يلزمه، وقال آخرون: بل إذا عجز فإنه يستنيب، واستدلوا بأن الحج تجوز الاستنابة في جميعه عند العجز ففي بعضه أولى، المرأة التي جاءت للرسول وقالت:"إن أبي أدركته فريضة الله على عباده شيخًا كبيرًا أو يثبت على الراحلة فأحج عنه؟ قال: "نعم"؛ فإذا جاز في جميعه جاز في جزئه، ثانيًا: ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم رموا عن الصبيان، وهذا يدل على أن الاستنابة في الرمي عن العاجز عنه جائز، وهذا هو الأقرب أنه يجوز أن يستنيب؛ أي: أن يقيم نائبًا عنه في الرمي، وإذا قلنا بالجواز فهل نقول للنائب: ارم أولًا عن نفسك ثم اذهب إلى الخيمة وارجع لترمي عن صاحبك؟ لا، لا يجب؛ لأن السعي إلى الجمرات واجب لغيره لا واجب لذاته، وإذا كان واجبًا لغيره فهو وسيلة، فإذا حصل المقصود بدونه سقط.
ننتقل من هذه النقطة إلى نقطة أهم منها، وهي إذا وجب الحج على إنسان في القصيم فهل له أن يوكل أو أن يستنيب ممن يحج عنه من مكة أو لا؟ فيه خلاف، ولكن الأقرب للقواعد أنه يجوز؛ لأن سعي الإنسان من القصيم إلى مكة مقصود لغيره ليس مقصودًا أن تمشي؛ ولهذا لو سافرت إلى مكة لا للحج ثم بدا لك - وأنت هناك - أن تحج لا نقول: اذهب إلى القصيم وارجع حاجًا، نقول: حج من مكانك، إذن فالقول الراجح في المسألة الأخيرة: أن الإنسان يجوز أن ينيب عنه من يحج ولو كان ممن يسكن مكة؛ لأن السعي من مكان الوجود إلى مكة وسيلة مقصود لغيره، وعلى هذا نقول للرجل الذي استناب غيره ليرمي عنه: إن الذي استنبته إذا رمى عن نفسه فله أن يرمي عنك دون أن يرجع إلى مكان رحله.
وهل يلزمه أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه أولًا ثم يرجع من الأولى لمن استنابه؟ فيه