بهذه السهولة لا يسقط عن المرأة لأنها امرأة، وإلا لقلنا بسقوط طواف الوداع مع الزحام، ولكن نقول: إنه يجب على المرأة أن ترمي بنفسها، والزحام الذي يكون يمكن أن يلافاه الإنسان بتأخر الوقت بدلًا من أن يرمي عند الزوال يرمي بعد العصر، إن لم يمكن بعد المغرب، إن لم يمكن بعد العشاء؛ ولهذا لم يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لسودة والضعفاء أن يوكِّلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم أن يدفعوا قبل الفجر من أجل أن يرموا بأنفسهم.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز جمع رمي أيام التشريق، لكن تأخيرًا لا تقديمًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهؤلاء أن يجمعوا تأخيرًا ولو كان تقديمًا لرموها يوم العيد لكن تأخيرًا.
ومن فوائده: أنه لا يجوز للقادر أن يؤخر يوم رمي إلى اليوم الذي بعده، وجه الدلالة: أنه قال: "رخص"، والترخيص يدل على أنه في غير هذه الحال ممنوع؛ لأن الترخيص خصّ بحالة معينة تقتضي التسهيل، وعلى هذا فلا يجوز أن نجمع أيام التشريق، أي: رمي أيام التشريق إلى آخر يوم بل نرمي لكل يوم في يومه، ومن ذهب إلى ذلك من أهل العلم فمذهبه ضعيف، لهذا الحديث؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي لكل يوم في يومه، ويقول:"خذوا عني مناسككم"؛ ولأنه أظهر في العبادة وأطيب للقلب، كيف ذلك؛ لأن الإنسان يتعبد لله تعالى بهذه العبادة كل يوم، وإذا جمعها فاتت عليه أن يتعبد لله تعالى بها كل يوم، وهذا أمر له شأن؛ لأن الشارع له نظر في أن يتعبد الناس لله عز وجل في الأوقات التي شرع لهم أن يتعبدوا لله فيها؛ وإلا لكنا نقول: تجمع الصلوات الخمس عند النوم وآخر اليوم ويكون عبادته لله تعالى في هذه الصلوات في آخر اليوم، لأجل أن يختم بها يومه، لكن نقول: للشارع نظر في أن تتوزع العبادات على الزمن حتى يبقى القلب عامرًا بهذه العبادة في اليومين أو الثلاثة مثلًا، إذا فجمعها مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم يفوت به هذا المعنى العظيم وهو إشغال القلب بهذه العبادة في كل الأيام الثلاثة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن هذا الدين يسر، وإنه كلما وجد سبب التيسير حل التيسير، ولهذا قال صاحب النظم:
وكلُّ ما كلَّفه قد يسِّرا ... من أصله وعند عارض طرا
على كل حال: إن كل شيء شرعه هذا الدين فهو ميسر من أصله، "وعند عارض طرأ" يعني: إذا وجد عارض يقتضي التيسير أكثر فإنه ييسره: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، هذا من التيسير بدلًا من أن يكلف الرعاة أن يأتوا فردا كل يوم يرموا رخَّص لهم أن يؤخروا.