الحرام"، والأصل في المستثنى أن يكون من جنس المستثنى منه، فهو أفضل من ألف صلاة فيما عداه من المساجد إلا المسجد الحرام.
وقوله: "إلا المسجد الحرام"، "المسجد الحرام" يعني: الذي له الحرمة والتعظيم وهو مسجد مكة خاصة لقوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للنَّاس}[المائدة: ٩٧]. ولقوله:{وصدُّوكم عن المسجد الحرام}[الفتح: ٢٥]. والنصوص في هذا كثيرة.
وقوله: "صلاة في المسجد الحرام أفض من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" يدل على أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي بمائة صلاة فيكون أفضل من غيره بمائة ألف يعني: لو صليت جمعة واحدة في المسجد الحرام صارت أفضل من مائة ألف جمعة فيما عداه، كما مائة ألف جمعة من السَّنة؟ السنة فيها حوالي خمس وخمسين جمعة فيكون حوالي ألفين سنة، على كل حال: فضل عظيم في الصلاة في هذا المسجد.
نعود إلى الحديث: "صلاة في مسجدي هذا" الإشارة تدل على تعيُّن المشار إليه، فهل المراد المسجد الذي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما زيد فيه فلا يدخل فيه، أم نقول: إن المراد المسجد وما زيد فيه؟ في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: المراد به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مسجده، وأما ما زيد فيه فلا يدخل في هذا التفضيل، وحجتهم في ذلك الإشارة؛ لأن الإشارة تعين المشار إليه: "مسجدي هذا ... "، وإلا لأطلق، وقال: "في مسجدي" وسكت، فلما قال: "هذا" علم أنه لا يتناول ما زيد فيه، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وقالوا: إن الزيادة لا شك أن لها فضل لكنها لا يحصل فيها هذا الفضل، وقال بعض أهل العلم: بل إن ما زيد فيه فله حكمه، واستدلوا بحديثين ضعيفين جاء فيهما أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لو بلغ صنعاء فهو مسجده، وهذا الحديث ضعيف، لكن يعضد فعل الصحابة وإجماعهم - رضي الله عنهم -، فإن الصحابة أجمعوا على الزيادة التي زادها عمر، وأجمعوا أيضًا على الصلاة في الزيادة التي زادها عثمان رضي الله عنه، ومعلوم أن الزيادة العثمانية قبلي المسجد، وأن الصحابة كانوا يصلون في قبلي المسجد في الصف الأول ولم يذكر أنهم كانوا يتأخرون حتى يكونوا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شبه إجماع من الصحابة على أن ما زيد فيه فله حكمه، وهذا هو الصواب بلا شك، وقد صرّح به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أن ما زيد في المسجد فهو منه.