هل المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، أو المراد به مسجد الكعبة خاصة؟ في هذا أيضًا نزاع بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: المراد به كل الحرم، فإذا صليت في أي مكان من الحرم ولو كان في خارج حدود مكة فصلاتك أفضل من مائة ألف صلاة إلا المسجد النبوي، واحتج هؤلاء بقوله تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}[الإسراء: ١]. وقرروا هذه الحجة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرى به من بيت أم هانئ رضي الله عنها، ومعلوم أن بيت أم هانئ خارج مسجد الكعبة، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرّام وإخراج أهله منه أكبر عند الله}[البقرة: ٢١٧]. فقالوا:{وإخراج أهله منه}، ومعلوم أن هؤلاء إنما أخرجوا من بيوتهم وديارهم وليسوا من المسجد نفسه؛ لأنهم ليسوا ساكنو المسجد بل هم في بيوتهم، وهنا قال:{وإخراج أهله منه أكبر عن الله}، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:{هم الذين كفروا وصدُّوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ محلَّه}{الفتح: ٢٥]. وهم إنما صدوهم عن مكة وعن المسجد الحرام ولا شك، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا إنَّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}[التوبة: ٢٨]. قال: لا يقربوا المسجد الحرام، وهم ممنوعون من دخول مكة، فدل هذا على أن المراد بالمسجد الحرام كل الحرم، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:{إن الذَّين كفروا ويصدُّون عن سبيل الله والمسجد الحرام الَّذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد}[الحج: ٢٥]. هو: المديم المكث؛ لأن الاعتكاف طول المكث، والناس إنما يمكثون في بيوتهم، فقالوا: إن هذه الآيات تدل على أن المراد بالمسجد الحرام: جميع مكة، أما من السنة فقد قالوا: إنه قد روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية كان مقيمًا في الحلّ، وكان إذا حانت الصلاة دخل فصلى في الحرم، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم كله يشملها التضعيف في الأجر، وربما يستدلون بالمعنى والنظر فيقولون: لو خصصناه بالمسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لضيقنا على الناس؛ لأن كل واحد في مكة لا يرغب أبدًا في أن يدع مائة ألف صلاة وبينه وبينها هذه المسافة القريبة، بل لابد أن يذهب ويصلي، وحينئذ يحصل الضيق والمشقة على الناس، قالوا: ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في الأبطح أربعة أيام قبل الخروج إلى منى ولم يكن ينزل إلى المسجد الحرام ليصلي فيه مع قرب المسافة وسهولتها، كل هذه الأدلة استدلوا بها على أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم.