للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفصل في هذا، فإن كان الزمن بعيدا فإحسان الوضوء أن يعيده من أوله لفوات الموالاة، وإن كان قريبا فإحسان الوضوء أن يغسل ما لم يصبه الماء من القدم.

ففي هذا الحديث فوائد منها: وجوب استيعاب الأعضاء بالتطهير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا أن يرجع فيحسن الوضوء، ويدل لهذا الحكم قوله - تبارك وتعالى-: {فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: ٦]. فإذا لم يستوعب الوجه لم يمتثل الأمر، وكذلك يقال في اليدين والرأس والرجلين.

ومن فوائده: أنه تجب إزالة ما يمنع وصول الماء، سواء كان قليلا أو كثيرا، حتى وإن كان مثل الظفر، وكلمة "مثل الظفر" يحتمل أن المراد مثل قلامة أو مثل الظفر كاملا، وأيا كان فإنه يدل على أنه إذا حال بين العضو والماء مثل الظفر وجب إزالته، وإلا لم يصدق عليه أنه غسله، ولكن يبقى عندنا مسائل.

المسألة الأولى: الخاتم إذا كان ضيقا فإنه في الغالب يمنع وصول الماء، فهل يجب أن يحركه حتى يدخل الماء بين وبين العضو أو لا يجب؟

نقول: الظاهر أنه يجب إذا كان ضيقا جدا بحيث يمنع وصول الماء فلابد أن يحركه من أجل أن يصل الماء إلى باطنه، ويحتمل ألا يجب، وهذا الاحتمال نأخذه من كون الرسول - عليه الصلاة والسلام- يلبس الخاتم ولم يرد عنه انه إذا أراد الوضوء أو الغسل نزعه، وهذا الخاتم لا ندري أهو ضيق أو واسع.

لماذا نقول: يحتمل، ولكن يرد على هذا الأخير - أهو ضيق أو واسع- أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فإذا كان يحتمل أنه واسع ويحتمل أنه ضيق وكانت القاعدة عندنا أنه يجب إيصال الماء إلى محل التقرير فإننا لا نأخذ بالاحتمال الثاني الذي يكون ضيقا.

المسألة الثانية: إذا كان الإنسان عليه تركيبة أسنان فهل يجب عليه أن يخلعها عند المضمضة، أو يفصل إن كانت واسعة أو ضيقة، أو يقال: إنه لا يجب استيعاب الفم بالمضمضة؟ الأخير؛ لأن الفقهاء نصوا على أنه لا يجب استيعاب الفم بالمضمضة، وبناء على ذلك لا يجب على الإنسان أن يخلع تركيبة الأسنان ولا أن يخلخلها حتى يصل الماء.

المسألة الثالثة: النساء يستعملن الحناء على رءوسهن، والحناء يتلبد على الرأس، ويمنع وصول الماء، فهل يعفى عن ذلك كما عفي عن مسح رأس الرجل بالعمامة ومسح رأس المرأة بالخمار على القول بذلك أو لا؟

نقول: يعفى عن ذلك، والدليل على هذا من السنة أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- في إحرامه قد لبد رأسه بالعسل والصمغ، وهذا يمنع حتى مباشرة الشعر فيكون هذا له دليل من السنة غير القياس على العمامة والخمار، والنساء يستعملن دائما - كما قلت- الحناء يلبدن على الرءوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>