للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الجواب عن الأدلة التي استدل بها هؤلاء: فأما قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .... } [الإسراء: ١]. فالثابت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به من حطيم الكعبة: "بينما أنا نائم في الحطيم"، أو قال "مضطجع أتاني آت"، وحينئذ يكون الإسراء به من المسجد الحرام الذي هو مسجد الكعبة لا غير، ورواية بيت أم هانئ إن صحت فقد جمع بينها وبين هذا الحديث واضطجع فيه أو نام ثم أسري به من هناك.

وأما قوله: {يا أيها الذين آمنوا إنَّما المشركون نجس .... } فهذا أحرى أن يكون دليلًا عليهم لا دليلًا لهم؛ لأن الله عز وجل لم يقل: فلا يدخلوا المسجد الحرام، بل قال: {فلا يقربوا}، ولا يمكن أن يقرب الناس حول حدود الحرام أو أن يقرب المشركون حول حدود الحرم، ومن المعلوم أنكم لا تقولون بذلك، تقولون: إن المشرك ممكن أن يدنو من حدود الحرم إلى مسافة شبر أو أصبع، بينما لو أخذنا بالآية وقلنا: إن المسجد الحرام هو كل الحرم لكان يجب أن يبتعدوا عن حدود الحرم بعدًا ينتفي فيه القرب، وأنتم لا تقولون به؛ إذن {فلا يقربوا المسجد الحرام}: لا يدخلوا حدود الحرم؛ لأنهم إذا دخلوا حدود الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام فامنعوهم.

وأما قوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدُّكم ... } النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء في الحديبية هل جاء يزور مكة وأقاربه فيها وبيوته ثم يرجع، أو جاء ليصل إلى البيت الحرام؟ هذا هو المقصود، ولو قدر أن الإنسان صدّ عن كل مكة ولكن نزل في المسجد الحرام ما همُّه المقصود الذي عنه الصّد هو المسجد الحرام مسجد الكعبة، وحينئذ لا دليل في الآية.

وأما قوله تعالى: {وكفر به والمسجد الحرام ... } فهذه هي أقوى دليل، لو كانت دليلًا لكانت هي أقوى دليلًا لمن قال: إن المسجد الحرام كل الحرم؛ لأن أهل الحرم أهل لكل حرم، ولكن نقول: أهل الحرم إنما يفتخرون بانتسابهم إلى المسجد الحرام هم أهل المسجد كما قال الله تعالى - تبارك وتعالى - في سورة الأنفال: {وما لهم ألَّا يعذّبهم الله وهم يصدُّون عن المسجد الحرام وما كانوا أوليآءه} [الأنفال: ٣٤]. فهنا نقول: هم أهم المسجد الحرام؛ لأنهم إنما يشرفون به، وكل ما قرب من المسجد إنما هو شرف بالمسجد؛ فهذا هو المقصود، فلهذا سمي هؤلاء أهل له، ثم نقول: أهل المسجد الحرام الذي يعمرونه بطاعة الله وهم إنما يعمرونه بطاعة الله، مسجد الكعبة هو محل الصلاة والطواف وغير ذلك.

كذلك قوله: {إن الذَّين كفروا ويصدُّون عن سبيل الله ... } [الحج: ٢٥]. نقول: إنهم يصدون الناس عن العمرة والحج وهذا لا يصح إلا بالوصول إلى المسجد الحرام، فتبين بهذا أن المراد

<<  <  ج: ص:  >  >>