توقيفي، ثانيًا: أن الصلاة شأنًا ليس لغيرها من بقية الأعمال فهو آكد وأفرض أعمال البدن، حتى إن القول الراجح أن تاركها يكون كافرًا، وإذا كانت بهذه الميزة فلا يمكن أن يلحق بها ما دونها إلا بنص.
ومن فوائد الحديث: إثبات التفاضل في الأعمال، وقد سبق لنا أن الأعمال تتفاضل بحسب المكان والزمان والعامل وجنس العمل ونوع العمل وكيفيته، كل هذه وجوه للفضائل، في الأعمال، المكان هو كما رأيتم، الزمان، {ليلة القدر خير من ألف شهر}، "ما من أيام العمل الصالح أحبُّ إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر"؛ يعني: عشر ذي الحجة، في العامل:"لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"، في العمل في كيفيته:{ليبلوكم أيُّكم أحسن عملًا}[لملك: ٢]. في جنسه:"ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه"، في نوعه: الصلاة أفضل من الزكاة، والزكاة أفضل من الصيام، والصيام أفضل من الحج.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا ثبت وقد ثبت تفاضل الأعمال لزم من ذلك تفاضل العامل، ثم يلزم منه أيضًا شيء آخر، تفاضل الناس في الإيمان، فيكون في الحديث دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا هو مذهب أهل السُّنة والجماعة، لكن بماذا تكون الزيادة؟ نقول: بكل ما ذكرنا من أنواع المفاضلة يزيد، فيزيد بالفرائض أكثر مما يزيد في النوافل، ومن العجب أن الشيطان يضحك علينا يجعلنا نعتقد أن النافلة أفضل من الفريضة؛ ولهذا تجد كثيرًا من الناس يحسنون النوافل تمامًا والفرائض يتساهلون فيها، وهذا من الغرائب، وهذا من البلاء الذي يصاب به الإنسان، فالواجب أن يعلم الإنسان ويعتقد أن صلاته الفريضة أفضل من النافلة، وأنه يجب أن يعتني بالفريضة أكثر مما يعتني بالنافلة، ولولا محبة الله لها ولولا أهميتها عنده عز وجل ما أوجبها على عباده، فإيجابها على العباد يدل على أنها أحب إلى الله، وأنها أولى بالعناية من النافلة.
إذ قال قائل: أيهما أفضل: المجاورة في مكة، أو المجاورة في المدينة؟
اختلف في هذا أهل العلم؛ فمنهم من قال: إن المجاورة في مكة أفضل؛ لأن مكة أفضل من المدينة بلا شك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال -وهو بالحذورة في مكة -: "إنك أحبُّ البقاع إلى الله،