للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى عرفة فهذا هو "الفوات"، نقول: هذا الرجل فاته الحج، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، فإنه يدل على أن من فاته الوقوف فاته الحج هذا الفوات.

"الإحصار" في اللغة: المنع، يقال: حصر، ويقال: أحصره، وفي القرآن" {فإن أحصرتم ... } [البقرة: ١٩٦]. وفيه أيضًا: {الفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: ٢٧٣]. أي: منعوا فالإحصار في اللغة: المنع، وفي الاصطلاح: منع الناسك من إتمام نسكه، وهل يشترط أن يكون بعدو أو بأي مانع يكون؟ فيه خلاف بين أهل العلم؛ منهم من قال: إنه يشترط أن يكون الإحصار بعدو وأنه لا إحصار بغير عدو، ومنهم من قال: إنه عام في العدو؛ لأن الإنسان قد يحصر بعدو وقد يحصر بمرض أو كسر أو ضياع أو ما أشبه ذلك، فصار عندنا الآن تعريف الفوات وتعريف الإحصار.

٧٤٥ - عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق وجامع نساءه، ونحر هديه، حتَّى اعتمر عامًا قابلًا". رواه البخاريُّ.

"قد أحصر" أي: منع من الوصول إلى البيت، وذلك في عام الحديبية حين منعه المشركون من أن يتمم عمرته صلى الله عليه وسلم؛ لماذا منعوه؟ قالوا: لا يتحدث العرب أننا أخذنا ضغطة، يعني: أنك دخلت قهرًا علينا، فصار هذا المنع حمية الجاهلية كما قال تعالى: {إذ جعلنا الذين كفروا في قلوبهم الحميَّة حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التَّقوى وكانوا أحقَّ بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليمًا} [الفتح: ٢٦]. منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤدي العمرة وهم -والله -أحق أن يمنعوا من البيت من رسول الله؛ لأن الله يقول: {وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتَّقون} [الأنفال: ٣٤]. لكن الله تعالى في قضائه وقدره حكم عظيمة، فهم منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عامًا قابلًا"، ابن عباس رضي الله عنهما أتى بهذه الأفعال مرتبة بالواو، والمراد بها مطلق الجمع، فمثلًا حلق رأسه وجامع نساءه ونحر هناك، اختلاف في الترتيب بحسب الواقع؛ لأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نحر أولًا، ثم حلق ثانيًا، ثم تحلل تحللًا كاملًا، وجامع أهله، ولو نظرنا إلى الحديث لكان مقلوبًا تمامًا أوفيه اختلاف: "حلق رأسه"، ثم بعد ذلك "جامع نساءه ونحر"، والواقع أنه نحر، ثم حلق، ثم جامع، لكن الواو لا تقتضي الترتيب، ومراد ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بعد هذا الإحصار تحللًا كاملًا، والدليل على أنه تحلُّل كامل قال: "وجامع أهله".

قال: وحتى اعتمر عامًا قابلًا" من العام الثاني اعتمر عمرة تسمى عمرة القضاء؛ بمعنى: القضية،

<<  <  ج: ص:  >  >>