يعني: عمرة المقاضاة، وليس قضاء للعمرة التي أحصر منها؛ لأن العمرة التي أحصر منها كتبت تامة؛ ولهذا يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر؛ منها العمرة التي صدَّ عنها فهو اعتمر كاملًا، لكن الثانية عمرة جاءت بحسب المقاضاة التي صارت بينه وبين قريش.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الحصر يكون في العمرة وهو كذلك، ويدل عليه أيضًا القرآن:{وأتموا الحجَّ والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}[البقرة: ١٩٦].
وفيه أيضًا: أنه يشرع الحلق لقوله: "وحلق رأسه"، ولكنه هل يجب؟ الصحيح: أنه يجب فقد مرَّ علينا في حديث المسور بن مخرمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حلق رأسه وأمر أصحابه، ولما تأخروا قليلًا غضب صلى الله عليه وسلم، فيجب الحلق عند الإحصار، و"نحر" هل يجب النحر؟ نعم يجب النحر، لكن إن كان قد ساق الهدي نحر هديه كله الذي ساقه، وإن لم يسقه فالواجب عليه أدنى ما يسمى هديًا لقوله تعالى:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}.
ومن فوائده: أن المحصر يعتمر من السنة القابلة أو من الشهر القادم، المهم: إذا زال الإحصار اعتمر، وهل هذه العمرة قضاء للعمرة السابقة أو لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم؛ فمن العلماء من قال: إن المحصر يجب عليه القضاء إذا زال إحصاره، وهل يقضي من مكان الإحصار أو يستأنف نسكًا جديدًا؟ نقول: يستأنف نسكًا جديدًا؛ لأن النُّسك لا يتجدد، فإن هذا الرجل حل وجامع وفعل جميع المحظورات، فكيف يبني على ما سبق، فهو يجب عليه أن يقضي سواء كان الذي أحصر عنه هو الفريضة أو كان تطوعًا، حجتهم في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى العمرة التي أحصر عنها، وهذا استدلال بالأثر، قالوا: والأصل أنه صلى الله عليه وسلم أسوة أمته: {لَّقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}[الأحزاب: ٢١]. وقد قضى ما أحصر عنه فلنقض، وقالوا أيضًا: لنا دليل نظري، وهو أن النُّسك من حج أو عمرة إذا شرع الإنسان فيه وجب عليه إتمامه ولو كان نفلًا، فإذا كان يجب عليه إتمامه وجب عليه قضاؤه إذا أحصر عنه وصار فائت الحصر أنه يتحلل ويترخَّص ويذهب، هذا فائدة الحصر، أما براءة ذمته به فلا لابد أن يقضي، واستدلوا أيضًا بأن العمرة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم تسمى عمرة القضاء، والأصل أن القضاء لما فات كما نقول: إذا خرجت الصلاة وصليت بعد الوقت قضاء، وكما نقول: إذا أفطر الإنسان في رمضان فإنه يقضي كما قالت عائشة: "فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان"، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا أحصر عن النسك لا يلزمه القضاء إلا إذا كان هذا النُّسك واجبًا مثل أن يكون في فريضة الإسلام أو يكون واجبًا بنذر فإنه يلزمه قضاؤه إذا أحصر عنه؛ لأن ذمته لم تزل مشغولة بهذا الواجب حتى يتمه، أما إذا كان تطوعًا فإنه لا يلزمه القضاء، واستدلوا بأثر ونظر، أما الأثر