ومن فوائد هذا الحديث: أن ترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل، بل لابد من فعله، وجهه: أن هذا الرجل إما جاهل وإما ناس، إما جاهل يحسب أن الماء قد شمل جميع القدم، أو يحسب أنه لا يجب شمول الماء لجميع القدم أو ناس ومع ذلك لم يستفصل الرسول صلى الله عليه وسلم منه بل أمره أن يحسن الوضوء.
ومن فوائد هذا الحديث: اشتراط الموالاة إذا حملنا قوله: "أحسن" على إعادة الوضوء، وقد اختلف العلماء - رحمهم الله- في الموالاة هل هي شرط في الوضوء أو لا؟ والظاهر أنها شرط؛ لأن الوضوء عبادة واحدة، وإذا لم يوال بين أجزائه تفكك.
لو قال قائل: لك أن تغسل وجهك الساعة التاسعة صباحا، ثم تغسل اليدين الساعة العاشرة، ثم تمسح رأسك الساعة الحادية عشر، ثم تغسل رجليك الساعة الثانية عشر هل يقول: إن هذا الرجل توضأ؟ حقيقة ما توضأ، وإنما غسل أعضاء، ثم إن قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم}[المائدة: ٦]. عطف عليها، ومن المعلوم أن جواب الشرط يلي المشروط مباشرة، بدليل أنه يربط بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، فإذا قلنا: غسل الوجوه يأتي مباشرة. قلنا: وما عطف عليه يأتي مباشرة أيضا، وهذا استنباط جيد بالنسبة للدلالة من الآية.
فإذا قال قائل: وهل يشترط الترتيب؛ بمعنى: أنه إذا كان الذي لم يصبه الماء من الأعضاء الأولى فهل يغسل ما تحته؟ يعني: لنفرض أنه في اليد هل نقول: اغسل اليد ثم امسح الرأس ثم اغسل الرجل، أو يسقط الترتيب؟
الجواب: لا يسقط الترتيب، بل يغسله وما بعده، ونظير ذلك: لو أن الإنسان نسي الركوع، سجد من قيام ثم ذكر هل نقول: اركع ولا تسجد، او اركع وائت بما بعده؟ الثاني؛ لأنه لابد من الترتيب لكن بعض أهل العلم يقولون: إن الترتيب يسقط بالجهل والنسيان، وبناء على هذا القول لا بأس أن يغسل ما لم يغسله من الأعضاء ويقتصر على ذلك، لو وقع هذا في غسله، يعني: إذا وجد الإنسان - بعد أن اغتسل من الجنابة- أن عليه ما يمنع وصول الماء إلى تحته، فهل نقول: أزل المانع واغسل ما تحته، أو نقول: أزل المانع واغتسل كاملا؟
الجواب: الأول؛ لأن الغسل ليس فيه الترتيب، في الغسل ابدأ بالرأس أو بالرجلين كله واحد الترتيب إنما هو في الوضوء؛ ولهذا قال الله تعالى:{وإن كنتم جنبا فاطهروا}[المائدة: ٦]. ولم يذكر من أين نبدأ.