عموم وخصوص من وجه، وجه ذلك: أن الحديث "البينة على المدعي" يعم كل السلع ويخص اليمين بالمدعى عليه، وأن هذا الذي معنا يختص بالمتبايعين ويعم كل اختلاف بينهما، إذن هنا عموم وخصوص، فإذا اتفقا في صورة ما فلا إشكال؛ يعني: بأن كان البائع هو المدعى عليه، فإذا كان البائع هو المدعى عليه فالقول قوله بيمينه على الحديثين، هذا والذي أشرنا إليه من قبل، وصورة ذلك: أن يقول المشتري للبائع: إنك قد اشترطت عليّ أن الشاة ذات لبن! فقال البائع: ما اشترطت عليك، فهنا القول قول البائع أنه لم يشترط على الحديثين جميعًا، يعني: على مقتضى هذا الحديث وعلى مقتضى البينة على المدعي، واليمين على المدعي عليه؛ لأن المدعي عليه الآن، هو البائع، وهنا يكون القول ما قال رب السلعة وهو البائع، فإذا اتفق مدلول الحديثين في صورة ما فالأمر واضح أن القول قول البائع، لكن المشكل إذا اختلفا مثل أن يقول البائع: قد بعتها عليك بعشرة، فيقول المشتري: بل بثمانية، فهنا البائع هو المدعي؛ لأنهما اتفقا على الثمانية واختلفا في الزائد في العشرة وما فوق بثمانية زائد، فالقول به دعوى، فهل نقول: القول قول البائع، أو نقول: القول قول المشتري؛ لأنه مدعى عليه؟ فيه خلاف؛ منهم من رجح اليمين على المدعى عليه، وقال: هنا المشتري مدعىٍ عليه؛ لأنه قد ادعى عليه أن الثمن عشرة فيكون القول قوله، ويحلف أنها ليست بعشرة وتكون له، ومنهم من يقول: بل القول قول البائع؛ لأن المشتري مدعٍ. ما وجه كونه مدعيًا. قالوا: لأنه ادعى أن البائع أخرجها من ملكه بثمانية، والأصل بقاء ملك البائع، فالبائع يقول: ما بعت إلا بعشرة، وهذا يقول: بعت بثمانية، إذن هو مدعٍ، وحينئذٍ يصدق الحديثان في هذه الصورة؛ لأن قولنا: القول قول البائع على حسب هذا الحديث، وعلى حسب حديث:"البينة على المدعي"، ولكن العلماء اختلفوا في هذه المسألة؛ فمنهم من قال: القول قول البائع بمقتضى هذا الحديث وقال: إن معنى حديث: "البينة على المدعي ... إلخ" يطابق هذا الحكم؛ لأن المشتري يدعي أن البائع أخرجه من ملكه بثمانية، والبائع ينكر، والأصل بقاء الملك -ملك البائع- فيكون القول قول البائع كما سيأتي.
ومن العلماء من قال: إن القول قول المشتري؛ لأنهما اتفقا على البيع واتفقا على ثمانية واختلفا فيما زاد على الثمانية، فالمشتري يدعيها والبائع ينفيها، فالبينة على المدعي، فيقال للبائع هات البينة وإلا فليس لك إلا ثمانية.
ومنهم من قال: بل يتحالفان، وهذا هو المذهب، قالوا: لأن كل واحد منهما مدعٍ ومدعى عليه؛ فجمعوا بين القولين. وقالوا: إن البائع مدعٍ والمشتري مدعٍ أيضًا، والبائع مدعى عليه