للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاله، وأنه قد أتعبه، فأمره أن يعطيه المحجن -يعني: العصا- فأعطاه، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم لجابر أن يبارك الله له في جمله، وضرب الجمل.

يقول: "فسار سيرًا لم يسر مثله"، وكان بالأول لا يمشي، يقول: "سار سيرًا لم يسر مثله"، حتى إنه كان يجر الزمام له ليستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه سبق القوم.

يقول: "فقال: بعنيه بأوقية. قلت: لا، ثم قال: بعنيه، فبعته بأوقية". قال: بعنيه، فقال: بل أهبه لك يا رسول الله، فقال: بل بعنيه ثم طلب أن يبيعه بأوقية، والأوقية: أربعون درهمًا، وهي بالنسبة لدراهمنا كم تساوي؟ عندنا مائتا درهم يعادل ستًّا وخمسين ريالًا يعني: هذه الأوقية تكون إحدى عشر ريالًا وأربع قروش، وكانت الإبل رخيصة في ذلك الوقت، يعني: ليس كالإبل في وقتنا هذا. يقول: "قلت: لا، ثم قال: بعنيه فبعته بأوقية"، أعاد عليه الطلب فباعه، وكلمة "بعنيه" من الرسول صلى الله عليه وسلم ليست أمرًا، ولكنها أمر بمعنى العرض، يعني: أتبيعه علي؟ إذ لو كانت أمرًا لوجب على جابر طاعته، ولكنها عرض، فهو أمر بمعنى العرض كما تقول مثلًا لأي واحد من الناس: بع علي كذا وكذا، ليس هذا أمر ولكنه عرض، وهذه فائدة يقلُّ من يذكرها من علماء البلاغة: أن الأمر يأتي بمعنى العرض.

يقول: "فبعته بأوقيه واشترطت حملانه إلى أهلي"، "حملان" مصدر كالغفران والشكران والكفران والنكران وما أشبه ذلك وهي مصدر حمل يحمل حملًا وحملانًا، وقوله: "حملانه" من باب إضافة المصدر إلى فاعله، يعني: اشترطت حمله إياي، فهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، "حملانه إلى أهلي" يعني: في المدينة.

"فلما بلغت -يعني: وصلت إلى المدينة- أتيته بالجمل فنقدني ثمنه"، يعني: أعطاني نقدًا، وهذه الرواية -كما قلت- فيها شيء من الاختصار؛ فإن المطوَّل فيها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يزن له؛ لأنه يقول: أوقية، وأمره أن يرجح في الميزان ولكنه أضافه للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن بلالًا كان وكيلًا له، وفعل الوكيل فعل للموكل، يقول: "فنقدني ثمنه ثم رجعت"؛ يعني: انصرف من عند الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سلمه المبيع، واستلم الثمن، ولم يبق لأحد على أحد شيء.

يقول: "فأرسل في أثري" يعني: أرسل إنسانًا في أثري يتبع أثري ليدعوني إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء جابر، وهذا فيه حذف ويسمى في البلاغة إيجاز بالحذف لأن قوله: "فأرسل في أثري" تقديره: فأتيت، أو بعدما قلت: هناك شيء آخر فأرسل في أثري فأبلغني الرسول بذلك فأتيت، أو يوجد أيضًا زيادة: فأرسل في أثري فلانًا يطلبني، فلما وصل إليّ وأخبرني رجعت. فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>