بلسانه هذا ابتعد عنه لا تكلفه، أما الرجل الذي يسارع في خدمتك ويفرح إذا كلفته فهذا لا بأس، وهذا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وليس مثل سؤال الناس شيئًا.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن نقول للكبير: "لا" خلافًا لما عند العامة، العامة ما يقولون: لا، بل يقولون: سلامتك.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل بالوفاء.
ويؤخذ منه أيضًا: جواز التوكيل في الاستيفاء: بأن يوكل شخصًا يستوفى حقه ممن هو عليه، وهل يملك من عليه الحق أن يمنع ويقول للوكيل: أنا لا أسلمه إلا لمن له الحق؟ الجواب: لا، ليس له أن يمنع؛ لأن الإنسان له أن يستوفي حقه بنفسه وبوكيله، نعم لو فرض أن الوكيل ليس معه إثبات شرعي بأنه وكيل فحينئذٍ له أن يمنع ويقول: لا أسلمك إياه إلا بإثبات شرعي على أنك وكيل له باستيفاء حقه، من أين أخذنا هذه الفائدة؟ أخذناها من أن التوكيل في الاستيفاء نظير التوكيل في الوفاء، والتوكيل في الإيفاء أجازه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد بالبيع حقيقتة لقوله: "أتراني ماسكتك لآخذ جملك؟ "، وهل أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق عليه فتوصل بهذا العقد الصوري إلى الصدقة؟ قيل بهذا، وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتراه حقيقة، لكن لما رأى عزته في نفسه -نفس جابر- وأن الجمل غالٍ عنده رده عليه، وهذا أحسن من الذي قبله، لكن يشكل عليه أن ظاهر الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينو البيع أصلًا؛ لقوله:"أتراني ... " إلخ، فهذا يدل على أنه لم يرد إطلاقًا البيع.
إذن فالذي يظهر لي: أن المراد بذلك الاختبار لحال الإنسان من حيث هو إنسان، أن الإنسان قد يكون زاهدًا في الشيء ثم لا يلبث أن يكون راغبًا فيه حسب ما يتعلق به من الأوصاف التي ترغب فيه أو ترغب عنه؛ كما قال هنا:"بعينه" بعد أن كان يريد أن يسيبه فأبى أن يبيعه على الرسول صلى الله عليه وسلم بأوقية مع أنه كان أراد أن يسيّبه، وهذا لا تأباه القواعد الشرعية أن يقصد بهذا الامتحان، ولهذا قال:"أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ " مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أراد التملك إطلاقًا. ولو أراد ذلك لكان الجمل جمل النبي صلى الله عليه وسلم، واحتيج إلى تأويل في قوله:"لآخذ جملك" وهو التعبير عن الشيء باعتبار ما كان عليه؛ لأن الجمل كان أولًا لجابر.
ومن فوائد الحديث: كرم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث جمع لجابر رضي الله عنه بين العوض والمعوض؛ يعني: بين الجمل وبين الدراهم، أي: قيمة الجمل؛ لقوله:"خذ جملك ودراهمك"، إذن "جملك" باعتبار نية الرسول صلى الله عليه وسلم، و"دراهمك" باعتبار نية جابر.
وفيه دليل: على جواز تأخير الثمن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوف إلا بعد رجوعه المدينة، لكن التأخير على نوعين تارة يكون مؤجلًا فيبق إلا أجله، وتارة يكون مسكوتًا عنه، فلمن له