للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه أيضًا: جواز الشراء بالدين، يعني أن الإنسان يشتري الشيء ولو لم يكن عنده ثمنه؛ لأن الرسول ما نقده الثمن إلا في المدينة بعد أن رجع، فالظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن معه حينذاك نقود؛ بدليل أنه في بعض السياقات أمر بلالًا أن يزن له ثمنه ويرجح ولو كان معه بيده شيء لكان أعطاه مما في يده، إذن يجوز الشراء بالدَّين، ولكنه ليس هذا على إطلاقه وإنما يجوز ذلك لمن له وفاء، أما من يأخذ أموال الناس وليس عنده وفاء يرفِّه نفسه ويفعل فعل التجار الأغنياء وهو فقير، ففي جواز ذلك نظر، وإن كان الأصل في المعاملات الحل لكن هذا فيه نظر.

رجل فقير رأى عند إنسان سيارة "كديلاك" وهو فقير، السيارة "الكديلاك" بمائة ألف وهو ما عنده، فذهب إلى المعرض واشترى منهم بمائة وعشرين ألفًا؛ لأن المعرض لا يعطيها للمؤجل مثل المنقود، وقال: أمشي مع الناس وكأني من الأغنياء، هذا لا يجوز؛ لأنه إسراف وأخذ لأموال الناس على وجه يخشى منه التلف، ولهذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة إلى الاستدانة لما قال: ما عندي شيء، مع أن النكاح من أهم المهمات، وقد يكون من الضروريات، ومع هذا ما أرشده، بخلاف الإنسان الذي عنده مال ولنفرض أنه موظف وعنده راتب لكن الآن ليس عنده شيء؛ يعني: ينتظر آخر الشهر ليوفي وهو شبه متيقن بأنه سيعطيه فلا بأس أن يأخذ شيئًا بدين.

الصورة التي وقعت هل هي بيع عين بعين، أو بيع دين بدين؟ عين بدين؛ إذن فيؤخذ من هذا أيضًا: جواز بيع العين بالدين، بيع الدَّين بالدَّين إن كان هناك تأجيل فإنه لا يجوز وإلا جاز، وعمل الناس على هذا الآن، الإنسان يقول مثلًا: اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا، ويذهب للدكان ويحضره لهم، فالعقد وقع على دين بدين.

ومن فوائد الحديث: جواز توكيل الغير لقوله: "فأرسل في أثري"، ما قام الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وقال: يا جابر، وإنما أرسل في أثره، ومثل هذا مما جرت به العادة لا بأس به، لا سيما إذا كان المكلَّف الذي كلفته بالشيء يفرح بهذا ولا يثقله فإن هذا لا بأس به ولا يعد هذا من السؤال المذموم الذي بايع الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا يسألوا الناس شيئًا؛ لأن الصحابة بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على ألا يسألوا الناس شيئًا، حتى كان الرجل يسقط منه العصا فينزل من على بعيره ليأخذه ولا يقول: يا فلان أعطنيه، لكن الشيء الذي تعلم أن صاحبك الذي كلفته بالعمل يسرُّ بذلك ولا يثقله فإنه لا حرج عليك أن تسأله وأن تكلفه، فإن كنت تخشى أن يستثقل ذلك فلا تفعل، ويظهر ذلك بأمارات قولية أو نفسية، النفسية أنك إذا أمرته اصفر وجهه واكفهر، هذا بدل ما يقول: لا بلسانه هذا النفسي، أو لما أمرته قال: "أف" تأفف هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>