للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس، يعني: أن القياس يقتضي بطلانها، لكن تبعنا النص فيها مثلًا المزارعة تكون على خلاف القياس، المساقاة على خلاف القياس، المضاربة على خلاف القياس، حتى إن بعضهم قال: الإجارة على خلاف القياس؛ لأنها إجارة على منافع معدومة قد تحصل، وقد تتلف العين المؤجرة ولا يحصل شيء، ويقولون أيضًا: هذا الشرط على خلاف القياس، نقول لهم، ما القياس الذي تريدون؟ قالوا: القياس أن العين إذا انتقلت بالبيع انتقلت بمنافعها، وهنا لم تنتقل بمنافعها، بل بقيت مصلحة مستحقة للبائع، فهذا خلاف القياس، فيقال لهم أولًا: ليس في السُّنة الصحيحة شيء على خلاف القياس، ومن ظن أن فيها شيئًا على خلاف القياس فإما أن يكون أخطأ في الظن، وإما أن يكون قياسه فاسد لماذا؟ لأن الشرع جاء على وفق العقول السليمة في أخباره وفي أحكامه، ولا يوجد شيء على خلاف القياس أبدًا، لكن فكر تجد أن القياس هو ما دل عليه الشرع، فهنا نقول: ليس هذا على خلاف القياس، لماذا؟ لأن انتقال ما يكون بالعقد على حسب ما جرى به العرف أو اقتضاه الشرع أو الشرط اللفظي؛ يعني: أن الشرع يحدد، والعرف يحدد، والشرط اللفظي يحدد، فهذا الذي باع ملكه واستثنى منفعته لمدة هو في الحقيقة ما عقد عليه عقدًا مطلقًا ولكن عقد عقدًا مقيدًا، ومقتضيات العقود ترجع إما إلى العرف أو الشرع أو الشرط، مثلًا: لو باع عليّ عبدًا واستثنى ولاءه، تقول: هذا لا يجوز؛ لأن هذا لا يقتضيه الشرع، لو باع عليه أمة واستثنى بضعها لا يصح؛ لأن هذا خلاف الشرع، إذ إنك إذا بعتها لم تكن ملكًا لك، والبضع لا يجوز إلا لزوج أو مالك، وعلى هذا فقس، هذا نقول: انتقل الملك من مالكه بمقتضى هذا الشرط، وإن شئت فقل: انتقل انتقالًا مقيدًا، كيف ذلك؟ يعني: مقيد بهذا الشرط أنا لم أبعه عليك على أن تستغل منفعته من الآن بل بعته عليك على أن منفعته لي إلى وقت محدود، وهذا موافق تمامًا للقياس.

وعلى هذا فتقول -في كل ما ذكر من أنه على خلاف القياس-: ليس في الشرع شيء على خلاف القياس، ومن ظن ذلك فإما أن يكون ظنه فاسدًا، وإما أن يكون قياسه فاسدًا، أما قياس صحيح فهو مع ظن صحيح، فلا يمكن في الشرع ما يخالف القياس.

من فوائد الحديث: فضيلة جابر رضي الله عنه؛ حيث وفَّى بالشرط فور انتهائه لقوله: "فلما بلغت أتيته بالجمل" بدون تأخير، حتى إنه في بعض سياق الحديث أنه أتى به قبل أن يذهب إلى أهله وأتى به والرسول صلى الله عليه وسلم عند المسجد فقال له: "صليت؟ "، قال: "لا". قال: "ادخل فصلّ ركعتين"؛ لأن الأفضل للإنسان إذا قدم البلد أن يبدأ قبل كل شيء بالصلاة في المسجد.

ومن فوائد الحديث: أن المعهود ذهنًا كالمذكور لفظًا؛ لأن اشتراط حملانه إلى أهله وهم في المدينة، فإذا كان بين الناس عرف معلوم فإنه يغني عن الذكر باللفظ لهذا الحديث: "إلى أهلي".

<<  <  ج: ص:  >  >>