بالفرج، ولهذا جعله الله -سبحانه وتعالى- كفارة للذنوب العظيمة، -كالقتل والظهار والجماع في رمضان والحدث في اليمين، وله أسباب كثيرة منها أن يقول له: أنت حر بالصيغة القولية.
ومنها: أن يعتق شريكه نصيبه فيدخل العتق على نصيب الآخر، ومنها أيضًا: إذا مثل بعبده، يعني مثلًا: قطع أصبعًا منه أو أنملة فإنه يعتق عليه جبرًا. ومنها إذا فعل به الفاحشة -والعياذ بالله- فإنه يعتق عليه، فجعل الشارع العتق له أسباب متعددة كل هذا حرصًا على إعتاق الرقاب وتخليصها من الرق.
هذا يقول:"أعتق رجل منا"، أي: من الأنصار، "عبدًا له عن دبر"، الدبر: يطلق على آخر الشيء، ويطلق على ما بعد الشيء، وهنا يقول:"عن دبر" يعني: على ما بعده؛ أي: ما بعد الحياة؛ يعني: علق عتق عبده بموته، فقال له: إذا مت فأنت حر فهذا هو التدبير بأن يعلق عتق العبد بموته؛ أي: موت السيد، يقول: إذا مت فأنت حر، هذا العبد ما دام سيده حيًّا لا يعتق إلا إن نجز عتقه لو نجز عتقه وقال: أنت حر قبل أن يموت، أما إذا لم ينجزه فإنه يبقى رقيقًا حتى يموت السيد ويجوز بيعه، وإذا باعه فإن عاد إلى ملكه مرة ثانية ومات وهو على ملكه عتق وإلا لم يعتق، وهذا العبد أعتقه سيده عن دبر ولم يكن له مال غيره، "فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه".
الحديث هذا مختصر اللفظ، ولكن ذكر في رواية أخرى أنه كان عليه، دين هذا السيد الذي أعتق عبده عند دبر فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دينه وقضاه.
يستفاد من هذا الحديث: ثبوت الرق في الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، ولا يقر على شيء باطل، ولأن نصوص الكتاب والسُّنة ضافية بذكر الرق وأحكامه وفضيلة العتق، ومن العجب أن أعداء المسلمين الذي أضلهم الله ينتقدون على الإسلام ثبوت الرق ويقولون: كيف تسترقون إنسانًا مثلكم، ولم يتفطنوا لما يعملون في عباد الله أكثر من استرقاق عباد الله، الرقيق عند المسلم مكرم معزز، حتى إن الرسول أمر أن نطعمهم مما نطعم ونكسوهم مما نكتسي، هم يسترقون العباد لكن من طريق أخرى أشد وأنكى، ولهذا لو نظرنا إلى مسألة السود والبيض في أمريكا لرأينا العجب العجاب من امتهانهم وعدم القيام بحقوقهم؛ أشد بكثير من الرق الثابت في الإسلام، ثم نقول أيضًا: ثبوت الرق في الإسلام جعل الشارع له أسبابًا كثيرة للفك منه، ولو لم يكن إلا فضيلة العتق لكان ذلك كافيًا، أما أنتم فلم ترحموا ما استرققتموه ولم تبالوا به، تمصوا خيراتهم وثرواتهم وتدخلون عليهم الشر وتحبسون حرياتهم.