بمعنى: أنه ليس كالماء لا هو مائع ولا هو جامد فإن أريد هذا فالأمر واضح، أما جامد كالحصى والحجر فهذا لا يستقيم.
نسأل لماذا جاء به المؤلف في كتاب البيوع مع أن المناسب أن يذكر في كتاب الأطعمة؟ يعني: أن هذا لا يمنع البيع؛ لأنه متى جاز بيعه جاز أكله، لأن الله إذا أباح شيئًا أباح ثمنه، وإذا حرم شيئًا حرم ثمنه.
أما فوائد الحديث: ففيه دليل على أن الفأر نجسة إذا ماتت لقوله: "ألقوها وما حولها"، ولو كانت ظاهرة لكانت تلقى بدون أن يلقى ما حولها، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وقع الذُّباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه"، ولم يذكر أن الإناء أو الشراب يتنجس؛ لأن ميتة الذباب طاهرة، لماذا ميتته طاهرة وميتة الفأرة نجسة وكلها مما يطوف علينا؟ علل العلماء ذلك قالوا: لأن أصل نجاسة الميتة احتقان الدم النجس فيها، والذباب ليس له دم يحتقن فيه حتى يكون نجسًا، وأما ما له دم فينجس، ولا شك أن هذه علة مناسبة جدًّا للحكم؛ لأن الله قال:{قل لَّا أجد فى ما أوحى إلىَّ محرَّمًا على طاعمٍ يطعمه إلَّا أن يكون ميتةً أو دمًا مَّسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنَّه رجسٌ}[الأنعام: ١٤٥].
ومن فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- واحتياطهم في أمور دينهم؛ لأنهم لم يتعجلوا فيرقوه ولم يتعجلوا فيأكلوه حتى يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الاستحياء من أمور العلم، فتقول: هذه الفأرة لا أسأل عنها، أنا أكرم هذا الرجل عن السؤال عن الفأرة؛ لأن أكرم من يستحق الإكرام من البشر الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سألوه عن الفأرة، هل نأخذ منها أنه لا يقال للإنسان إذا سئل عما يستقبح "تكرم؟ " قد يكون قالوا، وقد يكون لم يقولوا ذلك، لكن الظاهر أن الصحابة لا يستعملون هذه الكلمة، فهل نقول: إن استعمالها بدعة وأنه لا ينبغي أن يستعملها الإنسان، أو نقول: إن هذه مما يرجع إلى العرف؟ الظاهر الثاني؛ لأن هذه ليست عبادة، فإذا جرى العرف بين الناس في استعمال هذه الكلمات فلا بأس.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الفأرة إذا وقعت في السمن، فإنها تلقى وما حولها ويكون الباقي طاهرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألقوها وما حولها وكلوه"، وجه الدلالة: إما أن نقول تقول: إن هذا هو ظاهر القصة؛ لأنه لو كان جامدًا ما ماتت بسقوطها فيه، أو يقال: وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستفصل ولم يقل: أجامد هو أم مائع؟ فلما لم يستفصل في مقام الاحتمال نزّل جوابه منزلة العموم في المقال، وجه ثالث: أن نقول: إن المدينة من البلاد الحارة غالبًا، وأن السمن لا