للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجمد فيها إلى حد يكون كالحجر فلهذا لا يمكن أن نحمله على الجمود الكامل الذي يصل فيه إلى حد يكون كالحجر، وهذا الوجه أيضًا استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن المدينة من الحجاز، والحجاز من البلاد الحارة.

ويستفاد من الحديث: أنه متى زال الأذى زال حكمه لقوله: "ألقوها وما حولها وكلوه"، فلما زال الأذى -أذى هذه الفأرة- بإلقائها وما حولها صار الباقي طاهرًا، ويتفرع على ذلك تأثير الأوصاف بموصوفاتها؛ لأنه إذا ألقيت وما حولها زال الوصف الذي من أجله يحرم هذا السمن.

وهل يؤخذ منه تنجس الشيء بالمجاورة؟ نعم يؤخذ منه الاحتياط في البعد عن النجاسة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: ألقوها واكتفى بالذي علق بها يلقى معها، ولكن قال: "ألقوها وما حولها"؛ لأنه يحتمل أن تكون النجاسة قد تمددت إلى ما حولها، إذا كان الإناء صغيرًا وصار الذي حولها يستوعب كل الإناء فيلقى كله، وفيه ردٌّ لقول من يقول: إن المائعات تنجس بمجرد الملاقاة ولو كثرت ولم تتغير؛ لقوله: "ألقوها وما حولها وكلوه"، ولو كان ينجس بالملاقاة كله ما حل منه شيء، والقول الذي أشرنا إليه وهو القول المرجوح هذا يؤدي إلى آثار كثيرة في الخلق ما تأتي بمثله الشريعة، لا أدري هل تعرفون ما يسمى بالخزانات أواني كبيرة وهي من النحاس -وأنا أدركتها-، يدخل فيها الرجل واثنين وثلاثة كانوا يستعملونها أواني للسمن يشتري الإنسان مثل القربة من السمن ثم يصبونه في هذا البرميل الكبير هذا البرميل الكبير الممتلاء لو يسقط فيه شعرة واحدة من كلب صار كله نجس على هذا القول وتجب إراقته ولا ينتفع به، ولهذا القول الراجح المطرد: أن ما لم يتغير بالنجاسة فليس بنجس سواء كان ماء أو مائعًا.

٧٥٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت الفأرة في السَّمن، فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه". رواه أحمد، وأبو داود، وقد حكم عليه البخاريُّ وأبو حاتمٍ بالوهم.

هذا الحديث يقول: "إذا وقعت .... إلخ"، وفصَّل فقال: "إن كان جامدًا تلقى وما حولها، وإن كان مائعًا فإنه لا يقرب"، لكن هذا الحديث كما قال البخاري وهم، والصواب الحديث الأول: "تلقى وما حولها" فقط سواء كان جامدًا أم مائعًا، ثم إنه سبق لنا أن الجامد جمودًا تامًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>