للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم على قولين؛ فمنهم من يقول: إن الهر إذا انتفع به وصار نافعًا فلا بأس ببيعه؛ لأنه ذو نفع مباح، وكل ذي نفع مباح فإن القاعدة الشرعية إباحة غيره بمفهوم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"، فمفهومه إذا أباح شيئًا أباح ثمنه، ولا يلزم من تحريم الأكل تحريم البيع، فهاهو الحمار محرم الأكل ومع ذلك مباح البيع إذا بيع لينتفع به، فإذا كان في هذا الهر نفع واضح مثل الذي أشرنا إليه من قبل، بأنه يأكل الحشرات ويطرد الهوام، فهذا لا بأس ببيعه من أجل منفعته، وليس مما نهي عن اقتنائه حتى نقول: إنه كالكلب، بل هو مما أبيح اقتناؤه، وأما إذا كان غير أليف ولا نافع فإن بيعه لا يجوز؛ لأن ذلك إضاعة مال وهذا هو رأي الجمهور أنه يجوز بيعه إذا كان ينتفع به، وحملوا الحديث على النوع الثاني: وهو الذي لا ينتفع به كأن يكون وحشًا؛ لأن الوحش لا يجوز بيعه لعدم الانتفاع به ولعدم القدرة على تسليمه؛ لأنه كالجمل الشارد وكالعبد الآبق، لا يتمكن من تسليمه إلى المشتري، وهذا القول الذي هو قول الجمهور قول قوي جدًّا.

ويحمل الحديث على ما حملوه عليه من أن المراد بالسِّنَّور الذي لا فائدة فيه، ولكن مع هذا نقول: الاحتياط للإنسان ألا يبيعه، بل إذا كان عنده هرة وانتهت حاجته منها وطلبها منه أحد فإنه يسلمها له بدون ثمن، والذين منعوا من بيعه استدلوا بعموم الحديث، واستدلوا أيضًا بأن هذا من الأشياء التي لا يؤبه لها والتي توجد كثيرًا في الناس، فهي تشبه الماء الذي نهى النبي عن بيعه، فإن الهرة جرت العادة بأنه يقتنى اقتناءً كاقتناء الغنم بحيث يبقى عند الإنسان يتوالد عنده ويحرص عليه، بل إذا وجد سنور صار يؤلفه حتى يتألف، فرأي الجمهور قوي لكن مع ذلك الأحوط أن يدع بيعه، أما الكلب فقد سبق.

وفي الحديث: دليل على جواز الإجابة بالدليل، من أين يؤخذ؟ من قوله: "زجر"، ولم يقل: هو حرام.

وهل هذا أولى، أو الأولى أن يذكر الحكم ثم دليله، أو يختلف باختلاف المخاطب؟ الأخير، يعني: باختلاف المخاطب، إذا كان المخاطب يعرف الحكم من الدليل فلا حاجة إلى ذكر الحكم ثم سياق الدليل، لا حاجة إلى ذلك؛ لأنه ليس فيه إلا التطويل، وأما إذا كان لا يفهم، أو أردت أن تعلمه بأنه إذا ذكر الحكم فليقرن به الدليل، فهنا الأفضل أن تذكير الحكم ثم تذكر الدليل، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل يذكر الحكم ثم يذكر الدليل مما قال صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار"، قال: يا رسول الله، أفندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأما أهل السعادة فييسَّرون لعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>