تقول:"كاتبت أهلي"، المراد بأهلها هنا: أسيادها، يعني: الذي يملكونها، وسمي الأسياد أهلًا وإن لم يكونوا من القرابة؛ لأن الإنسان يأهلهم ويأوي إليهم، وكل أحد تأوي إليه وتأهله فهم أهلك؛ لأنهم مأوى إليك، ولهذا سمي أتباع الإنسان أهلًا، أو لأنه يئول إليهم وينتصر بهم، وقولها:"كاتبت"، المكاتبة: شراء العبد نفسه من سيده، كيف ذلك؟ يقول العبد للسيد: أنا أحب أن أعتق، وأنت لن تعتقني بدون عوض، ولكن بعني على نفسي، فيقول: بعنك على نفسك، بكم؟ فيقول مثلًا: بعشرة آلاف ريال كل سنة يحل ألفا ريال تكون المدة خمس سنوات، فوافق على ذلك تسمى هذه مكاتبة، وهل هو عقد لازم أو جائز، بمعنى: هل يملك السيد فسخه، أو العبد فسخه، أو هو عقد لازم لا يملك كل واحد منهما فسخه؟ أما من جهة السيد فهو لازم لا يمكن فسخه، وأما من جهة العبد فهو جائز؛ لأن بإمكانه أن يعجز نفسه ويقول: ما حصلت شيئًا فإذا عجز نفسه فحينئذ يعود إلى الرق، وهل إذا طلب العبد من السيد المكاتبة هل يلزم السيد إجابته؟
نقول: أولًا: فيه تفصيل، وثانيًا: فيه خلاف، فيه تفصيل إن علم فيه خيرًا أجابه وكاتبه، وإن لم يعلم فيه خيرًا فلا يكاتبه، ما هو الخير الذي يعلمه فيه؟ قال العلماء: الخير الذي يعلمه الصلاة في الدين والكسب في المال، يعني: إذا علم أن هذا العبد صالحًا وأنه يستطيع أن يكتسب فليكاتبه، وإن لم يعلم فلا يكاتبه وذلك إن خاف أنه إنما طلب المكاتبة من أجل أن يتحرر، فيفسق أو يرجع إلى بلاد الكفر، فهنا لا يكاتبه؛ لأن هذا ضرر، أو علم أنه إذا كاتبه صار عالة على نفسه وعلى غيره ليس لديه مال فهذا لا يكاتبه؛ لأن هذا ضرر على العبد، وضرر على غيره من الناس، فإن علم فيه خيرًا أمر بالمكاتبة، قال الله تعالى:{والَّذين يبتغون الكتاب ممَّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا}[النور: ٣٣].
ولكن هل الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب؟ ذهب جمهور العلماء على أنه للاستحباب، والصارف له عن الوجوب: أن هذا مال له، ولم يوجب الله عزَّ وجل إخراج المال على المالك إلا بالزكاة أو النفقة الواجبة، وعلى هذا فيكون الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، وقال أهل الظاهر وجماعة من العلماء: بل الأمر للوجوب؛ لأن في هذا مصلحة وهي إنقاذ هذا العبد من الرق، فهو كإنقاذ من خاف التلف، ثم إن الشارع يتشوف إلى العتق تشوفًا بالغًا، فعندنا أمران مع الأصل وهو أن الأصل في الأمر الوجوب، فلدينا أمران يفيدان أن الأمر للوجوب، وعلى هذا فيكون الأمر للوجوب بناء على الأصل ولأجل هذين الوجهين، وهذا القول هو الصحيح أنه إذا طلب المكاتبة وعلم فيه الخير وجب عليه أن يوافق؛ لأن ذلك خير له وخير للعبد.