المكاتبة لماذا سميت مكاتبة ولم تسمى عقدًا؟ أقول: لأنه جرت العادة أنه إذا وقع مثل هذا العقد حصلت المكاتبة بين السيد وبين العبد، فلذلك سميت مكاتبة، إذا قال قائل: إذا عللتم بذلك لزمكم أن تقولوا كل شيء يكتب نسميه مكاتبة. نقول: هذا لا يصح في تعيين العقود أو المعاني أو الأماكن أو ما أشبه ذلك، لا يصح، ولهذا سميت المزدلفة جمعًا ولم تسمى عرفة جمعًا مع أن الجمع في عرفة كالجمع في مزدلفة أو أكثر، فمثل هذه الأشياء التي يعلل بها الأسماء لا تتعدى العلة محلها، فلو أنني عقدت معك مداينة نسمى هذا مكاتبة؟ لا، بل نسميه دينًا مكتوبًا.
تقول:"كاتبت أهلي على تسع أواقٍ"، وهي جمع أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، فالأربعون درهمًا تكون ثمانية وعشرين مثقالًا، إذن الأوقية ثمانية وعشرون مثقالًا، وهي تقول:"تسع أواقٍ"، نضربها في ثمانية وعشرين تساوي مائتي واثنين وخمسين مثقالًا من الفضة هذا ثمن بريرة التي كاتبها أهلها.
تقول:"في كل عام أوقية"، تكون الأعوام على هذا تسعة أعوام فتعتق، فجاءت تطلب العون من عائشة ... إلخ، "فقلت: إن أحب أهلك أن أعدَّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت"، "إن أحب" هذه شرطية، وجواب الشرط "فعلت"، وقولها رضي الله عنها:"أن أعدها" يعني: أعطيهم إياها معدودة، وقد مر علينا كم هذه؟ تسعة أواقٍ، كل أوقية أربعون درهمًا، أربعون في تسعة يكون ثلاثمائة وستين درهمًا.
"إن أحب أهلك أن أعدها لهم" أي: أن أعد لهم التسع أواقٍ وهي بالدراهم الإسلامية ثلاثمائة وستون درهمًا؛ لأن الأوقية أربعون درهمًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة"، وفي حديث أبي بكر: في الرقة في مائتي درهمًا ربع العشر، ففهمنا من هذا أن الأوقية أربعون درهمًا، وقولها:"ويكون ولاؤك لي"، ما هو الولاء؟ الولاء في اللغة: من الولاية، وفي الشرع: يطلق على عدة معانٍ منها: ولاء العتق وهو أن الإنسان إذا أعتق عبدًا صار له عاصبًا كعصوبة النسب تمامًا، إلا أنها دونها في المرتبة، ولهذا لا يستحق أحد عاصب بالولاء شيئًا من حقوق التعصيب ما دام يوجد عاصب بالنسب، فلو هلك هالك عن بنت ومولى لكان للبنت النصف والباقي للمولى، ولو هلك عن بنت وعم كان للبنت النصف وللعم الباقي، إذن فولاء العتق له لحمة في الإنسان كلحمة النسب، إلا أنه كما قلنا: لا يمكن أن يستحق شيئًا من حقوق التعصيب، ما دام أحد من العصبة في النسب موجودا.