للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقول: "فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك"، وأظن مر علينا ماالمراد بالأهل وهم الأسياد، "فأبوا عليها"، يعني: امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة، بل يريدون أن يكون الولاء لهم هم، قالت: "فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرة عائشة"؛ لأن عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون في مهنة أهله في البيت أو في المسجد أو في شئون المسلمين تقول: "فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء"، فيكون لهم حق العصوبة بعد عصوبة النسب في هذه المرأة.

فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خذيها واشترطي لهم الولاء"، "خذيها" يعني: اشتريها واشترطي لهم الولاء كما طلبوا، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تأخذها، وأن تشترط لهم الولاء، وهذا الأمر ليس أمر إيجاب ولا استحباب، ولكنه أمر إباحة؛ لأنه صار في جواب السؤال، وقد مر علينا أن الأمر إذا كان في جواب السؤال، فهو للإباحة، وكذلك إذا وقع بعد الخطر فهو للإباحة أو لرفع الخطر على خلاف في ذلك، وقد سبق في أصول الفقه.

قال: "خذيها واشترطي لهما الولاء"، يعني: كما أرادوا، وإنما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لأمر سيتبين فيما بعد.

اختلف العلماء في اللام هنا، هل هي للتمليك والاستحقاق، أو أنها بمعنى "على"؟ فقال بعض العلماء: إنها بمعنى "على"، أي: اشترطي عليهم الولاء، قالوا ذلك واستشهدوا بقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} [الإسراء: ٧]. أي: فعليها، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {مَّن عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها} [فصّلت: ٤٦]. فتكون اللام هنا بمعنى "على"، واضطروا إلى ذلك لئلا يلزم من جعل اللام على بابها أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لها بشرط فاسد؛ لأن اشتراط الولاء لهم مخالف للشرع، قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأذن بشيء مخالف للشرع، فاضطررنا أن نجعل اللام بمعنى "على"، وأتينا بشاهد من القرآن هذا هو القول ظاهره الصحة لكن عند التأمل يتبين أنه ليس بصواب؛ لأنها قد اشترطت عليهم الولاء ولكن أبوا، فما الفائدة من أن تعيد الشرط مرة أخرى؟ وكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اشترطي عليهم الولاء" وهو يعلم أنهم قد أبوا ذلك؛ لأن هذا ليس فيه إلا مجرد التكرار بلا فائدة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر بشيء بغير فائدة، ولا يمكن أن يأمر بشيء يعلم أنه مردود من قبل؟ إذن يتعين أن نجعل اللام على أصلها وهي التمليك والاستحقاق، يعني: خذيها واشترطي لهم الولاء كما أرادوا.

ونجيب عن قولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأذن بشيء مخالف للشرع فنجيب عن ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن بذلك لينفذ. ولو أذن ونفذ لكان محل إشكال، لكنه أذن بذلك ليبطله

<<  <  ج: ص:  >  >>