بعد شرطه، وإبطال الشيء بعد شرطه أشد وقعًا وأبين في الإرشاد؛ لأنه لو قيل: هذا باطل ليس وقعه في النفس كما إذا اشترط ثم أبطل؛ لأنه قد يقول قائل: هذا محرّم ولكن إذا اشترط نفذ، نقول: لا، هو محرم اشتراط الولاء لغير المعتق وإذا اشترط فهو باطل لا ينفذ، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم أراد من ذلك أن يشترط الولاء لهم كما أرادوا ثم بعد اشتراطهم إياه يبطله الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظير هذا من بعض الوجوه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته عدة مرات صلاة محرمة؛ لأنه كان لا يطمئن فيها يقول:"اذهب فصلِّ فإنك لم تصلِّ" فيذهب كالأول، لماذا؟ من أجل أن يكون توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم له بعد أن أخذه العناء من صلاة ليست بمجزئة يكون توجيه الرسول إياه وإرشاده له وقع في النفس فتستقر، وليعلم أن العبادة الفاسدة مهما فعلت فإنه لا تبرأ بها الذمة، وهذا من الحكمة في التعليل.
إذن فنقول: يتعين أن نجعل اللام على أصلها؛ لأن صرفها عن الأصل يحتاج إلى دليل، ولأن جعلها بمعنى "على" لا يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يعلم ويدري أن هذا أمر غير ممكن؛ لأن الجماعة قد ردُّوا هذا من الأصل، ويبقى مشكلة وهي لماذا يغروا هؤلاء فيشترط لهم الولاء ثم يلغى، وسيأتي الجواب عليه.
إذن نقول: اللام يجب أن تكون على بابها، يكون لهم الولاء كما طلبوا وكما أرادوا، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم مقررًا الحكم الشرعي:"فإنما الولاء لمن أعتق"، الفاء هنا عاطفة، و"إنما" أداة حصر، و"الولاء" مبتدأ، و"لمن أعتق" خبره، ويكون معنى الجملة: الولاء لمن أعتق لا لغيره وإن شرط، ففعلت عائشة رضي الله عنها.
"ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ" ماذا فعلت عائشة؟ أخذتها واشترطت لهم الولاء وتم الأمر على أن عائشة اشترت بريرة المكاتبة على أن يكون ولاؤها لأهلها، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، أي: قام في الناس خطيبًا، وهذه الخطبة من الخطب العوارض، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب أصحابه خطبًا عارضة وخطبًا راتبة دائمة، فخطبة الجمعة مثلا من الخطب الراتبة والعيد والاستسقاء كل هذه من الرواتب.
العارضة دائمًا يخطب بها -عليه الصلاة والسلام- في المناسبات، خطبة الكسوف عارضة وقيل: راتبة. واختلف العلماء هل خطبة الكسوف مسنونة مطلقًا أو أنها عارضة للتذكير، يقال: الكسوف ما وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ولا ندري لو عاد الكسوف هل يخطب الرسول أو لا، والأصل أن ما فعله فهو سنة، وعلى هذا فنقول: صلاة الكسوف يستحب فيها الخطبة، لا سيما في مثل زمننا هذا الذي غفل الناس عن المراد بالكسوف غفلوا عما يراد به