شرعًا وهو تخويف الناس، فالخطبة في هذا الزمن حتى وإن قلنا إنها ليست من السنن الراتبة بل هي من السنن الطارئة ينبغي ألَّا تفوّت في صلاة الكسوف.
ثم قالت:"فحمد الله وأثنى عليه"، حمد الله: الحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم وصف المحمود بالكمال ولو مرة واحدة مع المحبة والتعظيم، فقولنا: مع المحبة والتعظيم ليخرج المدح، فإن المدح وصف للممدوح بالكمال، لكن قد يخلو من المحبة والتعظيم، قد يمدح الإنسان أحدًا وهو من أكره الناس إليه ويبغضه لكن يمدحه خوفًا من شره أو رجاء لعطائه.
أما الحمد فإنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، يجد الإنسان قلبه ممتلئًا محبة لهذا الموصوف بالكمال وبالتعظيم أيضا وحمد الله -سبحانه وتعالى- إذا قلت: أحمد الله، فحمد الله سبحانه يكون على الكمال الذاتي وعلى الإحسان إلى الخلق، ولهذا إذا أكل الإنسان وشرب يقول: الحمد لله على هذا الإحسان وهذه النعمة، فالله يحمد على كماله الذاتي وعلى إحسانه الواصل إلى خلقه، وقوله:"أثنى عليه"، يعني: كرر أوصاف الكمال لله عزَّ وجل، ويدل على أن الثناء غير الحمد، حديث أبي هريرة الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى:"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال: أثنى علي عبدي".
ثم قال -يعني: بعد الحمد والثناء-: "أما بعد"، فما بال هذا التركيب؟ قالوا: إنه نائب عن أداة شرط وفعل شرط تقديره: مهما يكن من شيء بعد؛ أي: بعدما قلت فهو ما سأقوله: "ما بال قوم ... " إلخ، وقيل: إنه لا حاجة إلى هذا التركيب، بل "أما" هذه شرطية هي بنفسها يدل على الشرط والتفصيل، و"بعد" طرف متعلق بمحذوف مناسب للمقام، والفاء رابطة لجواب التفصيل مثل: {فأمَّا من أعطى واتَّقى (٥) وصدَّق بالحسنى (٦) فسنيسّره} [الليل: ٥ - ٦].
على كل حال: كلمة "أما بعد" قال بعضهم: إنها كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، ولكن هذا غير صحيح، والذي يتتبع كلام العرب يجد أنها كلمة تقال بين يدي الموضوع، أي: موضوع الكلام، فيؤتى أولًا بالمقدمة، ثم يقال عند الدخول في الموضوع:"أما بعد" وزعم بعض العلماء أنها هي فصل الخطاب الذي أوتيه داود: {وءاتيناه الحكمة وفصل الخطاب (٢٠)} [ص: ٢٠]. والصواب: أنها ليست إيَّاها، وأن فصل الخطاب هو الفصل بين الناس في الخصومات التي تكون بينهم.