ثم قال:"فما بال رجال"، "بال" بمعنى: شأن، يعني: ما شأنهم، والاستفهام هنا للاستنكار، و"رجال" ليست مذكورة للقيد؛ لأن النساء كالرجال، لكن إذا عبر بالرجال دخل النساء، وإذا عبر بالنساء دخل الرجال إلا بدليل، "فما بال رجال"، وهنا نكرهم لئلا تعرف أعيانهم؛ لأنه ليس الشأن بمعرفة الأعيان وإنما الشأن بمعرفة الأحوال والقضايا التي تقع.
"يشترطون شروطًا"، الشرط مر علينا كثيرًا بأنه في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى:{فهل ينظرون إلَّا السَّاعة أن تأتيهم بغتةً فقد جاء أشراطها}[محمد: ١٨]. وفي الاصطلاح: ما يتوقف عليه الصحة أو اللزوم، فإن كان شرطًا لله توقِّفت عليه الصحة، وإن كان شرطًا للإنسان توقِّف عليه اللزوم، ولهذا نقول: هناك شروط للشيء وشروط في الشيء؛ الشروط للشيء من وضع الله عزَّ وجل، وهي ثابتة سواء شرطت أم لم تشترط، ولا يمكن لأي إنسان أن يتنازل عنها أو يسقطها، هذه الشروط للشيء الذي تتوقف عليه الصحة أو التي تتوقف عليها الصحة كشروط البيع وشروط الصلاة وشروط الحج.
أما الشروط في الشيء فهي من وضع البشر الإنسان هو الذي يضعها.
ثانيًا: لا تثبت إلا باشتراط وإذا سكت عنها لم تثبت.
ثالثًا: لمن هي له أن يتناول عنها ويسقطها.
رابعًا: أن العقد يصح بدونها حتى وإن لم يوف بها فالعقد صحيح.
خامسًا: أنها تنقسم إلى صحيح وفاسد؛ لأنه من صنع البشر، فهذه الخمسة فروق بينها وبين شروط الشيء هذا الأخير متفرع عن قولنا: إن شروط الشيء شرط للصحة، والشروط في الشيء شرط للزوم، يعني: يجوز ترك الشروط في الشيء لكن ما يلزم الشيء إلا بها.
هذه الشروط التي ذكرنا أنها الشروط في الشيء الذي وقع من عائشة هل هو شرط في الشيء أو شرط للشيء؟ الأول، ولهذا أبطلها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:"شروطًا ليست في كتاب الله"، هذه الجملة فيها شيء من الإشكال إلا على وجه التأويل؛ لأن قوله:"ليست في كتاب الله" ظاهرها: أنه لا بد أن يكون الشرط قد ذكر في كتاب الله.
ومن المعلوم أن الشروط في الشيء تكون مذكورة وغير مذكورة، مثلًا لو اشترط المشتري أن الولاء له إذا أعتق كان هذا الشرط موجودًا في كتاب الله، لو اشترط المشتري أنه ينتفع بالشيء فيكون موجودًا في كتاب الله، اشترط البائع الذي باع النخلة بعد أن أبرت أن الثمرة له شرط، مذكور في كتاب الله، الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتاع نخلًا""نخلًا" بعد أن تؤبد ثمرته للذي باعه هذه واضحة، لكن إذا وجد شرط سكت عنه الكتاب وهو من الشروط