الصحيحة كما في حديث جابر اشترط حملانه إلى المدينة مع أننا نقول في حديث جابر: أن المشترط هو الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء عن رسول الله فهو كالذي جاء عن الله، فيكون هذا داخلًا في الشروط التي في كتاب الله، لكن ثمت أشياء غير الشرط الذي حصل في حديث جابر لكنه لم يذكر في الكتاب ولا في السُّنة، فظاهر هذا الحديث الذي معنا أنه ممنوع؛ لأنه قال:"ليست في كتاب الله"، ولكن قال أهل العلم: المراد بذلك ليس في كتاب الله حلُّها؛ أي: ليست مما أحله الله في كتابه، واستدلوا لذلك بأن هذا هو المعنى، وهو -كما تعرفون- تأويل خلاف ظاهر اللفظ، استدلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا"، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"، وهذا يدل على أن ما اشترطه الإنسان فهو ثابت إلا إذا خالف شرط الله عزَّ وجل بأن أحل حرامًا أو حرم حلالًا، وقوله صلى الله عليه وسلم:"في كتاب الله"، أي: في مكتوبه، والمراد به: القرآن، وسمي كتابًا؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ: {بل هو قرءانٌ مَّجيدٌ (٢١) فى لوحٍ مَّحفوظ} [البروج: ٢١ - ٢٢]. {إنَّه لقرءانٌ كريمٌ (٧٧) فى كتابٍ مَّكنونٍ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٨]. ولأنه مكتوب في الصحف بأيدي الملائكة: {فى صحفٍ مُّكرَّمةٍ (١٣) مَّرفوعةٍ مُّطهَّرة (١٤) بأيدي سفرةٍ (١٥) كرام بررةٍ (١٦)} [عبس: ١٣ - ١٦]. ولأنه مكتوب في الصُّحف التي بأيدي البشر فلهذا سمي كتابًا.
فإن قال قائل: السُّنة هل هي من كتاب الله؟
الجواب: هي في الحكم في كتاب الله، وأما من حيث المتكلم بها فهو الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن حكم ما جاء في السُّنة كحكم ما جاء في القرآن، كما قال الله تعالى:{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}[النساء: ١١٣]. قال:{وأنزلنا إليك الذِّكر لتبيِّن للنَّاس ما نزِّل إليهم}[النحل: ٤٤]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه".
فإذن ما جاء في السُّنة فهو كتاب الله؛ لأن الله أخبرنا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يبين لنا ما نزل إليه قال:{مَّن يطع الرَّسول فقد أطاع الله}[النِّساء: ٨٠].
قال:"ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط"، "ما" شرطية، يعني: مهما كان من شرط، فـ"ما" هنا شرطية، وفعل الشرط "كان"، وجوابه "فهو باطل"، وجملة "ليس في كتاب الله" صفة لشرط، و"من شرط" اسم كان، لكن مجرور بـ"من" الزائدة، ممكن أن أقول: إن "ليس في كتاب الله" صفة لشرط، والصواب أنه خبر كان جعلناها ناقصة، فإن جعلناها تامة، يعني: ما وجد من شرط صح أن نعرب "ما ليس في كتاب الله" صفة، "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"، الباطل: هو الضائع سدى الذي لا يترتب عليه أثره ولا يعتبر،