للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل شرط ليس في كتاب الله فإنه باطل، ومعنى باطل، أي: لاغٍ غير معتبر لا يستفيد مشترطه إلا التعب باللسان أو بالأركان إن كتب الشرط، قال: "وإن كان مائة شرط" يعني: وإن كان هذا الشرط مائة شرط، هذه الجملة تحتمل أن المعنى ولو جمع مائة شرط، فكل الشروط ولو كثرت فإنها باطلة؛ يعني: شرط كذا وكذا، وكذا وكذا، إلى المائة، فإن هذه الشروط وإن اجتمعت فهي باطلة إذا خالفت كتاب الله، ويحتمل أن يكون المراد: "وإن كان مائة شرط"؛ يعني: وإن شرط مائة مرة، يعني: وإن أكد شرطه، وهذا المعنى هو الأقرب، وأن المراد: وإن شرط مائة مرة، فيكون الشرط هنا مصدرًا وليس اسمًا، على هذا يصير المعنى: وإن كان مائة اشتراط فإن توكيده لا يزيده توكيدًا ولا توثيقًا.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق"، "قضاء الله" أي: الذي يقضيه عزَّ وجل أحق؛ لأنه حق، قال الله تعالى: {والله يقضى بالحقِّ} [غافر: ٢٠]. والمراد بالقضاء هنا: القضاء الشرعي؛ لأن القضاء الشرعي هو الذي يمكن أن يعارض بمثله فيأتي ملحد ويقول: هذا القضاء أنا آتي بقانون ودستور أحق منه! أما القضاء الكوني لا يمكن معارضته أبدًا ولا يستطيع أحد أن يقول: إنه يدفع الموت عن نفسه أو المرض أو الآفات لكن الذي يمكن أن يعارض هو القضاء الشرعي، فإذا عورض فأيهما أحق؟ الجواب: قضاء الله، أما القضاء الكوني فلا يمكن أن يعارض، ولا يعارضه إلا مجنون أو مكابر.

ومن ثمَّ نقول: إن قضاء الله عزَّ وجل ينقسم إلى قسمين: قسم قضاء كوني، وقسم قضاء شرعي، فمن القضاء الكوني قوله تعالى: {وقضينا إلى بنى إسراءيل فى الكتاب لتفسدنَّ فى الأرض مرَّتين} [الإسراء: ٤]. هذا قضاء كوني، ولا يمكن أن يكون قضاء شرعيًّا؛ لأن الله تعالى لا يقضي شرعًا بالإفساد، إنما يقضي بالصلاح والإصلاح، والقضاء الشرعي كقوله تعالى: {وقضى ربُّك ألَّا تعبدوا إلَّا إيَّاه} [الإسراء: ٢٣]. فهذا قضاء شرعي؛ لأنه لو كان قضاء كونيًّا ما بقي أحد مشركًا، لو قضى الله قضاء كونيًّا على ألا نعبد إلا إياه ما بقي أحد على الشرك، فصار الناس كلهم يعبدون الله لكن هذا قضاء شرعي: {والله يقضى بالحقِّ} [غافر: ٢٠]. يشمل الأمرين، فقضاء الله حق شرعي وكوني، ما الفرق بين القضاءين؟ الفرق من وجهين:

الوجه الأول: أن المقضي كونًا لا بد أن يقع بخلاف المقضي شرعًا.

ثانيًا: المقضي كونًا يتعلق بما يحبه الله وما لا يحبه، والمقضي شرعًا لا يكون إلا بما يحبه، إما أن يحب فعله ويأمر به، وإما أن يحب تركه وينهى عنه، قول الرسول: "إن قضاء الله أحق" نقول: هنا القضاء الشرعي؛ لأنه هو الذي يمكن فيه المفاضلة، أما القضاء الكوني فإنه لا يمكن أن يكون فيه مفاضلة؛ لأنه لا أحد يعارض قضاء الله الكوني، ولعل قائلًا يقول: لماذا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>