تجعله عامًّا؟ فنقول: إنه باعتبار القضاء الكوني مما ليس في الطرف الآخر منه شيء، وأحيانًا يكون التفضيل والجانب المفضل عليه ليس فيه شيء، قال الله تعالى:{أصحاب الجنَّة يومئذٍ خيرٌ مُّستقرًّا وأحسن مقيلًا}[الفرقان: ٢٤]. ومن المعلوم أن مستقر أهل النار لا خير فيه، وأن مقيلهم ليس فيه شيء من حسن المقيل أبدًا، لكن جاء التفاضل من باب بيان أنه لا سواء بين هذا وهذا، "قضاء الله أحق" أي: قضاء الله أعدل وأسبق أو أحق بأن يتبع، فهو يشمل الأمرين، فهو أحق بمعنى: أوفق للحق وأثبت وأصح، وهو أحق أيضًا بأن يتبع من غيره. ثم قال:"وشرط الله أوثق"، الفرق بين القضاء والشرط: أن الشرط هو الأوصاف التي يجعلها الله تعالى مناطًا للحكم، والقضاء هو الحكم، فالحكم مثلًا وجوب الصلاة له شروط منها مثلًا: البلوغ، والعقل، والإسلام، والطهارة وما أشبه ذلك، فالفرق بين القضاء والشرط: أن القضاء هو الحكم، والشرط هو الوصف الذي يثبت به الحكم، الشروط التي شرطها الله وجعلها أوصافًا في أحكامه أوثق من غيرها يعني: أوقى وأثبت وأضمن كما قال الله تعالى: {فمن يكفر بالطَّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}[البقرة: ٢٥٦].
"وإنما الولاء لمن أعتق" هذه الجملة في الحقيقة ثمرة ما سبق، وهي إبطاله الشرط المنافي لكتاب الله، الثاني: وصفه بأن قضاء الله أحق وشرطه أوثق، فمن ثمرات ذلك: أن الولاء لمن أعتق، هذا من قضاء الله وشرطه، فيكون الولاء لمن أعتق، ولو أن أحدًا اشترط خلاف ذلك لكان شرطًا باطلًا؛ لأنه ليس في كتاب الله، وقوله:"لمن أعتق" يشمل ما إذا كان المعتق امرأة أو رجلًا، والعتيق امرأة أو رجلًا، وفي رواية مسلم قال:"اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء"، أتى المؤلف بهذا لقوله:"وأعتقيها"؛ حيث تفيد أن المكاتب إذا اشترى فإن من اشتراه يجوز أن يعتقه؛ لقوله:"وأعتقيها"، لا يقال: إن سبب العتق كونه قد انعقد عند البائع وهو المكاتب، لكن حقيقة العتق ما كانت إلا عند المشتري، ولهذا قال:"أعتقيها"، فهو قبل أن يؤدي كتابته -أعني: المكاتب- رقيق.
هذا الحديث -كما تشاهدون- فيه فوائد كثيرة، ومن حسن التأليف لو أن المؤلف رحمه الله أتى به عقيب حديث جابر حتى يضم الحديث الذي تضمن شرطًا فاسدًا إلى الحديث الذي تضمن شرطًا صحيحًا، فإن هذا من ناحية التأليف أحسن.
من فوائد هذا الحديث: جواز المكاتبة لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها، وهل الكتابة جائزة بمعنى: أنها مستوية الطرفين، أو سنة، أو واجبة؟ نقول: أما بالنسبة للعبد وطلبه إياها من سيده فهي جائزة، وأما بالنسبة للسيد فإنه مأمور أن يكاتب عبده إذا طلب بشرط أن يعلم فيه الخير لقوله تعالى:{فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا}[النور: ٣٣]. ولكن هل الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب؟ خلاف على قولين