للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تختلف باختلاف الزمان والمكان، قد أرشد في ذلك الوقت إلى نوع معين من المعاملات ويكون الإرشاد في وقت آخر إلى نوع آخر لكن مثل هذا الحديث يدحر هذا القول، وهذا القول مندحر من أكثر من عشرين وجهًا، دلّ عليها الكتاب والسُّنة وهو أن الشرع لم ينظم المعاملة بين الإنسان وبين ربه، وهي العبادة، بل نظم المعاملة بين الإنسان وبين ربه، وبين الإنسان والإنسان، بل بين الإنسان والحيوان، بل حتى بين الحيوانات أنفسهم، وحتى الحيوان الشارع جعل له ضوابط، لو رأيت كبشًا أقرن كبير الجسم ينطح شاة ضعيفة يتدبر على الوراء ثم يأتي بقوة وينطحها وهي تصرخ، هل الشرع يجعلك تتفرج على هذا؟ لا، بل يأمرك أن تفصل بينهما كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"، فالشارع رتب المعاملة بين البشر والمعاملة بين البشر والحيوان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، وأخبر أن امرأة بغيًّا سقت كلبًا فغفر الله لها، إلى هذا الحد كيف نقول: إن الشرع لم ينظم إلا المعاملة بين الخالق والمخلوق فقط وهي العبادة، ولكن من أعمى الله قلبه لم ينفعه انفتاح العين.

ومن فوائد الحديث: أن المشروع أن تبدأ الخطبة بحمد الله والثناء عليه لقولها رضي الله عنها: "فحمد الله وأثنى عليه"، وهكذا ينبغي للخطيب أن يحمد الله ويثني عليه.

فإن قال قائل: ما المناسبة؟

قلنا: المناسبة أن هذا المنصب -أعني: منصب الخطبة والوعظ- منصب عظيم لا يناله إلا من آتاه الله علمًا وحكمة وحزمًا وغيره؛ لأن غير العالم لا يتكلم، الجاهل وغير الحكيم أيضًا يفوت الفرص ولا يتكلم، وكذلك غير الحازم يفوت الفرص، ثم إن المقام مقام عظيم يقوم فيه الإنسان مقام الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، فلهذا كان من المناسبة أن يحمد الله ويثني عليه على أن جعله من أهل هذه المناصب الرفيعة، ثم إن في حمد الله والثناء عليه وذكر أوصافه الكاملة تنشيطًا على النفس وإنارة للقلب، وبهذا يفتح الله -سبحانه وتعالى- ما لا يفتحه مع الإعراض، فلهذا كان الرسول يحمد الله ويثني عليه.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للخطيب أن يكون قائمًا حتى في غير خطبة الجمعة لقولها: "ثم قام وخطب".

ومن فوائد الحديث: استعمال "أما بعد" في الخطبة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أما بعد" وهل هي فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام كما قيل به؟ لا، فصل الخطاب الذي أوتيه داود هو أن يفصل بين الناس ويحكم بينهم، هذه "أما بعد" هل يؤتى بها بعد كل جملة أو بعد كل سطر أو

<<  <  ج: ص:  >  >>