للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "خذيها واشترطي لهم الولاء" من أجل أن يعود مرة أخرى فيقول إن هذا الشرط باطل لا يجوز الوفاء به، وهذا أحسن من الوجهين اللذين أشرنا إليهما حين شرح الحديث.

ومن فوائد الحديث: أن الأمر قد يخرج عن الأصل الذي هو الوجوب أو الاستحباب إلى معنى آخر يستفاد من القرينة الحالية أو اللفظية لقوله: "خذيها"، فإن هذا أمر لكنه ليس أمر إيجاب ولا استحباب بل هو أمر إباحة، يعني: لك أن تأخذيها وتشترطي لهم الولاء، والذي يخرج الأمر عن أصله هي القرائن الحالية أو القرائن اللفظية.

ومن فوائد الحديث: أن الولاء لمن أعتق لقوله: "فإنما الولاء لمن أعتق"، وهذه جملة تفيد الحصر كما سبق في الشرح.

ومن فوائد الحديث: أن الشَّرط اللفظي لا يغير الشرط الشرعي؛ لأنه قال: "اشترطي لهم الولاء ... إلخ"، فإنهم وإن اشترطوا لفظًا فإن ذلك لا يغير الشرط الشرعي بانتقال الولاء من المعتق إلى غيره، وهل الشرط العرفي يغير الشرط الشرعي؟ الجواب: لا، فلو تعارف الناس على عقد محرم شرعًا فإن هذا التعارف لا يبيح ذلك الأمر الشرعي، ولا يقال: كل الناس على هذا؛ لأن بعض الناس الآن إذا نهيته عن محرم قال لك: كل الناس على هذا، حتى في العبادات أحيانًا يقول: كل الناس على هذا نقول: الشرط اللفظي أو العرفي لا يغير الشرط الشرعي.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للعالم أن يخطب الناس في الأمور العارضة ليبين الحق لقولها رضي الله عنها: "ثم قام في الناس ... إلخ".

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وخطبه نوعان: خطب رواتب، وخطب عوارض، الرواتب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء، والعوارض كهذه الخطبة، كلما دعت الحاجة إلى الخطبة خطب، واختلف العلماء هل خطبة صلاة الكسوف من الخطب العوارض أو من الخطب الرواتب، وسبب اختلافهم في ذلك هو: أن الكسوف لم يقع إلا مرة واحدة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا ندري هل الخطبة هذه عارضة من أجل إزالة العقيدة الفاسدة التي كان يعتقدها أهل الجاهلية أو هي خطبة راتبة ليجمع للناس بين الموعظة الكونية والموعظة الشرعية.

من فوائد الحديث: أن الشريعة تهتم بالمعاملات كما تهتم بالعبادات، أو بعبارة أخرى اهتمام الشارع بما يتعلق بالمعاملات كما يهتم بما يتعلق بالعبادات، وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا ما جعل المسألة بينه وبين أهل بريرة، بل قام خطيبًا ليعلن للناس صلى الله عليه وسلم هذا الحكم الشرعي، فيتبين أن الشريعة -ولله الحمد- فيها العناية بالمعاملات كما فيها العناية بالعبادات.

ومنها: دحر قول من يقول: إن الشرع عبادة، وأما المعاملة فعادة؛ لأنه يوجد من الناس من يقول: المعاملات لا تدخل فيها الشرع، وكل الأوامر الواردة في المعاملات فهي أوامر إرشاد

<<  <  ج: ص:  >  >>