فالجواب بلى: بلى، ولكن هل هو من عنده؟ لا، بل هو من عند الله، لولا أن الله أخبره بذلك ما علم به، فيكون إخباره عن المغيبات في المستقبل ليس عن علم غيب من صفته هو، ولكن بما أعلمه الله عزَّ وجل.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مع أهله وكان في مهنتهم لقولها: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس"، فإن المعروف من هديه أنه كان في مهنة أهله يحلب الشاة صلى الله عليه وسلم، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويعاشر أهله، وحياته معهم حياة بسيطة غير معقدة، وتجد الإنسان من أحسن ما يكون وأصلح ما يكون، وهكذا كلما كنت أحسن لأهلك فثق بأنك تدخل مسرورًا وتخرج مسرورًا، أما الإنسان إن أساء إلى أهله فسيدخل محزونًا ويخرج محزونًا، ويمشي في السوق محزونًا؛ لأنه إذا صادفه أحد وسلَّم عليه وهو مغموم من أهله يكاد لا يرى طريقه فلا يعطيه وجهًا طلقًا أبدًا، ولا يزال منكتمًا مما جرى منه مع أهله، فكلما كنت أحسن في أهلك فثق أنك أحسن في مجتمعك كله.
ومن فوئد الحديث: أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها بغير إذن زوجها؛ لأن عائشة تصرفت بدون أن تستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كذلك، هل لها أن تتصرف في مالها الذي اشتراه لها لتتزين له به؛ يعني: لو أعطاها حليًّا تتزين به له فهل لها أن تبيعه؟ الذي يظهر: أنه ليس لها أن تبيع إذا علمنا أنه اشتراه لهذا الغرض؛ لأن هذا يفوت مقصوده أو يثقل كاهله بإعادة الشراء لها مرة ثانية، أعطاها مثلًا حليًّا للأذن والرأس والرقبة واليد والرجل، ثم باعت هذا كله في لحظة واحدة، ولما جاء الليل وجدها ليس عندها شيء أين هذا؟ قالت: بعته لأنه ملكي، هو يحب أن تتجمل له، ويعد هذا من دواعي السرور ودواعي الأنس، ماذا يصنع في هذه الحال؟ يضطر أن يدخل عليها كئيبًا ويخرج حزينًا، أو يحسن لها مرة ثانية؟ الظاهر أنه إذا اشترى لها شيئًا يتعلق به غرضه فليس لها الحق في أن تبيعه، لكن هل لها الحق في أن تبدله؟ نقول: إذا أبدلته بما لا تشمئز منه نفسه فهذا جائز، أما إن أبدلته بشيء تشمئز منه نفسه فليس بجائز، لو فرضنا أنه رجل لا يريد التحلي القديم واشترى لها من الحلي الجديد المعاصر ولكنها أبدلتها من الحلي القديم مما يستعمل قديمًا فهل لها ذلك؟ لا، ليس لها ذلك، فتبين الآن أن تصرف المرأة بغير إذن زوجها جائز، هذا هو الأصل إلا في حلي اشتراه لتتجمل به له فليس لها الحق بإبداله بشيء لا يرغبه.
ومن فوائد الحديث: جواز اشتراط الشرط المحرَّم لتحقيق بطلانه لقوله: "خذيها واشترطي لهم الولاء"، فإن أصح الأوجه عندي في هذا أن إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لها أن تفعل من باب إبطال الشرط الفاسد، وإن حقق باشتراطه، ومعلوم أن تحقيق الشيء بالوقوع أبلغ من تحقيقه بالقول، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما سبق لنا:"خذوا واضربوا لي معكم بسهم" ليحقق الجواز صلى الله عليه وسلم، فهنا