للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث أيضًا: إطلاق الأهل على السيد لقولها: "إن أحب أهلك"، وأهل الرجل هم خاصته الذين يأهلهم ويجتمع إليهم، ولهذا أباح الشرع للمرأة المالكة ألا تحتجب عن عبدها إذا أمنت الفتنة، فيجوز للمالكة أن تكشف وجهها وكفيها وقدميها للمملوك مع أنه ليس بمحرم من أجل أنها أهله وأن في ذلك حاجة، وأن في التحرز من ذلك مشقة.

ومن فوائد الحديث: أن الولاء يثبت بالعتق، وسبق لنا معنى الولاء وأنه عصوبة تثبت للمعتق وعصبة المتعصبين بأنفسهم.

ومن فوائد الحديث: جواز تعليق العقود على المشاورة لقولها: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم فعلت"، وعلى هذا فيجوز تعليق العقد، فأقول: بعتك إن رضي زيد أو إن رضي شريكي أو إن رضي أبوك أو إن رضي أبي، وهذا القول هو الصحيح، خلافًا للمشهور من المذهب حيث قالوا: إنه لا يجوز تعليق البيع، فالصواب أنه جائز ولا مانع منه، وهذا الذي ذكرته هو تعلق: "إن أ؛ ب أهلك أن أعدها لهم فعلت".

ومن فوائد الحديث: أنه ينعقد العقد بما دلّ عليه؛ لأنها قالت: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم"، ولم تقل: أن أشتريك، بل قالت: أن أعدُّها، وهذا هو الصواب أن العقود تنعقد بما دلّ عليها البيع، الإجارة، العرية، الوقف، الرهن، كل شيء، وهل يشمل النكاح؟ الصحيح: أنه يشمله، ولو أن الرجل قال للشخص: زوجتك بنتي أو ملكتك بنتي، قال: قبلت انعقد النكاح، وليس بشرط أن يقول: أنكحتك أو زوجتك؛ لأن الشيء إذا جاء في الشرع مطلقًا يرجع فيه إلى العرف.

وكلُّ ما جاء ولم يحدَّد ... بالشَّرع كالحرز فبالعرف احدد

ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لم يعلم ما جرى، ففي بعض الروايات أنه سأل فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهو كذلك لا يعلم الغيب، ولهذا أدلة كثيرة، أولها ما جاء في القرآن الكريم صريحًا حيث أمره الله أن يقول: {قل لَّا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب} [الأنعام: ٥٠]. وقال تعالى: {قل لَّا أملك لنفسى نفعًا ولا ضرًّا إلَّا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب} [الأعراف: ١٨٨]. فمن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم وكذَّب الله، وبدأت بتكذيبهم للرسول؛ لأنهم يدَّعون أنهم إذا ادعوا أنه يعلم الغيب كان هذا من تعظيمه وتوقيره، فنقول لهم: ليس هذا من تعظيمه ولا توقيره أن تكذبوه فيما أعلنه على الملأ: {قل لَّا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب} [الأنعام: ٥٠].

فإن قال قائل: أليس قد أخبرنا بأمور فوقعت كما أخبر؟

<<  <  ج: ص:  >  >>