للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجب للإنسان إذا أسقطه من له الحق سقط فهو واجب للإنسان بإيجاب الله عزَّ وجل، إذن نقول: الشروط التي يشترطها الإنسان على غيره في كل عقد هي حق للشارع يجب الوفاء به على المشروط عليه، ولكن إذا عفا الشارع سقطت بعفوه.

ومن فوائد الحديث: أن قضاء الله أحق من قضاء غيره مهما كان الغير لقوله: "قضاء الله أحق"، وسبق معنى قوله: "أحق"، أي: أنه أحق بالاتباع، وأنه أحق بمعنى: أشد موافقة للحق من غيره، فهو جامع بين أمرين.

لو قال قائل: قضى البرلمان ومجلس الأمة ومجلس الشعب ومجلس الشورى ومجلس الكونجرس ومجلس الشيوخ ومجلس الأعيان ومجلس الشرفاء بكذا وكذا مما هو مخالف لقضاء الله، كلها نلغيها؛ لأنها مجالس مخلوقين، والمخلوق معرَّض للخطأ، وهو أيضًا ضعيف في عمله وقدرته وتبصره وفي كل شيء، لهذا نقول: قضاء الله أحق، فإذا جاءنا إنسان وقال: انظروا هذا الدستور الذي صدق عليه كل هذه المجالس قلنا له: هذا كتاب الله الذي نزل يحكم بيننا وبينك: {فإن تنازعتم فى شاءٍ فردُّوه إلى الله والرَّسول} [النِّساء: ٥٩]. أتى بهذه الكلمة بعد قوله: {ياأيُّها الَّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولى الأمر منكم} [النِّساء: ٥٩]. يعني: ليست طاعة أولي الأمر طاعة مطلقة، فعند التنازع المرجع بينكم وبين ولاة الأمور إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: أن قضاء الله أحق، يعني: أثبت وأعدل من غيره؛ لأن الحق يطلق على العدل والأحكام والصدق في الأخبار والثبات، فقوله: "أحق"، يعني: ثابت لا يتزحزح، وكذلك قضاء الله.

ومن فوائد الحديث: بطلان جميع الأنظمة التي تخالف أنظمة الشرع وأنها باطلة حتى وإن قدِّر أن فيها حقًّا فإن قضاء الله أحق منها، ولهذا أطلق قال: "قضاء الله أحق"، ولم يذكر المفضل عليه من أجل العموم.

ومن فوائد الحديث: إثبات حكمة الله عزَّ وجل؛ لأن القضاء لا يكون أحق إلا إذا كان متضمنًا للحكمة ومصالح العباد، فإن لم يتضمن ذلك لم يكن أحق.

ومن فوائد الحديث: أنه قد يكون في قضاء غيره حق لكن قضاء الله أحق، هذا إذا قلنا: إن اسم التفضيل هنا على أصله، ووجود أصل المعنى في المفضل والمفضل عليه، وإذا قلنا: إنه ليس على أصله بحيث يكون معنى في المفضل فقط كما في قوله تعالى: {أصحاب الجنَّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا} [الفرقان: ٢٤]. فإنه يقتضي أن لا حق في قضاء غير الله، لكن المعنى الأول أسدّ وأوثق بالنسبة للصيغة وبالنسبة للواقع؛ لأنه ليس كل حكم يكون باطلًا من كل وجه، بل إن وافق الحق فهو حق وإن خالف الحق فهو باطل، وإن خالفه من وجه ووافقه من وجه فهو باطل من وجه وحق من وجه آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>