للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل حال: ما تقول باسمه، هل هناك مستند؟ قالوا: نعم، إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- قال لأبيه: {ياأبت} مع أن أباه كان كافرًا، قال: يا أبت أضافه إلى نفسه، والله عزَّ وجل يقول للأمة: {لَّا تجعلوا دعاء الرَّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النُّور: ٦٣]. يعني: لا تنادوا محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، قولوا: يا رسول الله بالوصف، إذن فالمناداة باللقب أبلغ في الإكرام من المناداة بالاسم العلم، فلهذا تخبر عن أبيك بأنه قال كذا، لكن لا تناديه باسمه العلم؛ لأن هذه طريقة الأنبياء، إبراهيم يقول: {ياأبت}، ولأن هذا أبلغ في الإكرام.

ومن فوائد الحديث: أن سنة عمر رضي الله عنه المنع من بيع أمهات الأولاد أو نقل ملكهن بهبة أو بميراث، وهو كذلك، ولكنه رضي الله عنه نهى عن هذا بمقتضى السلطة والخلافة لا بمقتضى الشرع؛ لأنه لا يشرع خلاف ما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيع أمهات الأولاد كان جائزًا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وأول خلافة عمر، لكن لما رأى الناس قد انتهكوا حرمة هؤلاء الأمهات فصاروا يبيعونهن وصبيانهن يجرون خلفهن يبكون عليهن؛ لأن أولاد أمهات الأولاد أحرار لا يمكن أن يباعوا، فإذا باع الأم بقي الأولاد مساكين ليس عندهم أم تروح بهم، فلما رأى عمر ذلك رضي الله عنه رأى من السياسة أن يمنع من بيعهن، إذن النهي عن بيع أمهات الأولاد ليس لمعنى في الأم، لكن لما يترتب عليه من التفريق بين الوالدة وولدها ويحصل بذلك من كسر قلب الأم وضياع الأولاد ما تقتضي السياسة الشرعية أن يمنع منه، ومن المعلوم أن الإنسان قد يمنع من التصرف في ماله لحق الغير، أليس قد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حجر على معاذ في ماله؟ نعم، قد مرّ علينا أن الرسول حجر عليه منعه من التصرف فيه، فما فعله عمر رضي الله عنه نوع من الحجر ليس تشريعًا عامًّا، وبناء على ذلك فلو مات ولدها يجوز بيعها؟ يجوز بيعها، وبناء على ذلك نقول: إذا مات ولدها جاز بيعها؛ لأن المنع من البيع ليس لمعنى يتعلق بالأم، ولكن لمعنى يتعلق بالأولاد مع الأم، وهذا المعنى إذا مات الأولاد زال فجاز بيعهن.

ومن فوائد الحديث أيضًا: بيان فقه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؛ لأن منع الإنسان من التصرف في ماله أمر جاءت به الشريعة، وهذا من تمام فقهه ودقة فهمه، ونظير ذلك من بعض الوجوه منعه المطلق ثلاثًا من مراجعة زوجته من أجل أن يحجر على الناس هذا النوع من الطلاق؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إذا طلق ثلاثًا بانت منه الزوجة سوف يمسك، لكن إذا علم أنه إذا طلق قيل له: هي واحدة راجع، ما يهمه أن يطلق ثلاثًا ولا يبالي، لكن إذا منع امتنع من الطلاق الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>