للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد، وبعضهم علل بأن البيع الأول لم يتم بعد؛ لأن فيه شيئًا من متعلقاته وهو الكيل أو الوزن أو العدد أو الذّرع، فهو إلى الآن لم يتخلص من متعلقات البيع الأول، فإذا باعها أدخل بيعًا على بيع، ومن العلماء من علل بأن المشتري ربما يبيعها بأكثر مما اشتراها، فما هو الغالب خصوصًا الذي يشتري السلع الغالب أنه لا يبيع إلا بربح، فإذا علم البائع الأول ربح المشتري فإنه يماطل في التسليم، وربما يتحيل على إبطال البيع بأي سبب لأجل أن يحرم المشتري هذا الربح الذي هو إلى الآن في قبضة البائع، وهذا الأخير علل به شيخ الإسلام ابن تيمية، ولهذا قال: إنه لو باعه بدون ربح فلا بأس، أو باعه على البائع الذي باع عليه فلا بأس، لكن لا شك أن هذه العلة التي ذكرها شيخ الإسلام تستلزم تخصيص العموم؛ لأن الحديث عام: "من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه أو حتى يكتاله".

فنقول: الحديث عام، وتخصيص العموم بعلة مستنبطة لم ينص عليه الشرع فيه نظر، لماذا يكون فيه نظر؟ لأنه من الجائز ألا تكون هذه هي العلة، وهذا واقع، ولهذا لم يعلل ابن عباس بهذا الشيء، إنما علل بأن دراهم بدراهم.

وعلى هذا فنقول: إن ظاهر الحديث يدل على أنه لا يجوز بيعه لا على البائع ولا على غيره بدون ربح، بل الحديث يدل على منع البيع على البائع وعلى غيره بربح وبغير ربح، نحن قسنا على الطعام المكيل كل شيء بيع بالوزن أو بيع بالعدّ أو بيع بالذّرع، قلنا: العلة هي عدم الاستيفاء في كل منها، ولكن روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه"، أو قال: "حتى يقبضه"؛ قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله، فكأنه يرى رضي الله عنه أن الحديث عام في القياس.

فعلى هذا نقول: كل شيء يباع قبل قبضه فبيعه منهي عنه، سواء بيع بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الذرع أو بيع بغير ذلك، ويؤيد هذا العموم ما رواه ابن عمر وزيد بن ثابت من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، والمراد: حتى يحوزوها على مكان لا يختص بالبائع، فهذا الحديث عام، حتى قال ابن عمر: كانوا يضربون على بيعها قبل أن يحوزوها إلى رحالهم، وهذا يدل على أن كل شيء لا يباع حتى يقبض، وهذا القول هو أرجح الأقوال، وأن جميع الأشياء المبيعة لا تباع حتى تقبض؛ لأن ذلك أبعد عن التنازع فيما إذا حصل ربح وعن التنازع فيما إذا أراد البائع أن ينكد على المشتري ويفسد سمعته بين الناس، فكونه لا يبيع إلا إذا قبض لا شك أنه أولى وأحوط لأنه عام.

<<  <  ج: ص:  >  >>