للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمسألة الثانية قلنا: فسر الحديث بتفسيرين: إما أن المعنى أبيعك إياه بثمانين نقدًا أو بمائة نسيئة إلى سنة تفسير آخر يقولون: مسألة العينة وهي: أن يبيع شيئًا بثمن مؤجل ثم يشتريه بأقل منه نقدًا بعت على زيد بعيرًا بمائة إلى سنة ثم اشتريتها بثمانين نقدًا؛ أيُّ التفسيرين أولى بالمطابقة بالحديث؟ الثاني؛ لأن بيعتين في بيعة بيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم: "فله أوكسهما أو الربا" وعلى هذا فيكون المراد بالبيعتين: مسألة العينة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فنقول للبائع: الآن إذا تمت السنة إما ألا تأخذ إلا ثمانين الذي أعطيته فتكون قد سلمت من الربا أما إذا أخذت المائة ثمن البيع الأول فإنك تقع في الربا؛ لأن حقيقة الأمر أنك أعطيته ثمانين بمائة وأدخلت بينهما بعيرًا، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة؛ يعني: ثوب، نقول: هنا في مثالنا دراهم بدراهم دخل بينهما بعير، الصورة الأولى في التفسير الثاني، وهي: بعتك هذا بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة ما وجه إدخالها في الحديث؟ قالوا: لأن هذا ربا لأنك زدت الثمن في مقابل الأجل هذا واحد، ولأن هذا جهالة لأن الثمن لم يستقر، أنت تقول: بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة، إذن المشتري هل يلتزم بعشرة أو يلتزم بعشرين، والبائع لا يدري هل الذي حصل له عشرة أو عشرون، إذن فالمسألة فيها جهالة وفيها ربا، إذن فتكون داخلة في الحديث، ولكن عند التأمل يتبين أن الحديث لا يراد به ذلك أولًا: استنادًا إلى لفظ أبي داود، وثانيًا: أن قول البائع: بعتك هذا بثمانين نقدًا أو بمائة نسيئة ليس فيه ربا وليس فيه غرر، ليس فيه ربا لأنني لم أبدل دراهم ثمانين بمائة وإنما الزيادة في ثمن السلعة، فكما أني لو قلت: السلعة هذه تساوي ثمانين لكن لا أبيع عليك إلا بمائة زدت كم؟ عشرين وهذا ليس بربا، فأنا إذا أجلت هذه المائة عليك أفدتك خيرًا، إذا كان يجوز أن أبيع ما يساوي ثمانين بمائة نقدًا فلماذا لا يجوز أن أبيع ما يساوي ثمانين بمائة نسيئة من باب أولى؟ ثانيًا: قولهم: إن هذه جهالة، نقول: ليس بجهالة؛ لأن المشتري لا يمكن أن يفارق المكان حتى يقطع الثمن: وما هو الثمن؟ ثمانين أو مائة، صحيح الذي يذهب وهو غير قاطع للثمن فهو جهالة، ولكن لا نأخذها من هذا الحديث بل من أحاديث أخرى وهي جهالة الثمن، أما إذا قال: خذ هذه أنا أبيع عليك بثمانين نقدًا أو بمائة إلى سنة صار معلومًا ما تفرقنا حتى قطعنا الثمن وعرف المشتري أن عليه مائة سنة والبائع أن له مائة ولا إشكال.

فتبين الآن أن أصح ما يفسر به الحديث مسألة العينة؛ لأنا فسرنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحسن من تفسير الحديث بالحديث، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا أمكن أن يفسر كلام المتكلم بكلامه فهو أولى من أن يفسر بكلام غيره؛ لأنه أعلم بمراده، والمسألة لا

<<  <  ج: ص:  >  >>