للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب البيوع

مقتضى العقد المطلق أن يكون الثمن حالًا، ومقتضاه أيضًا أن يقضيه إياه سواء اشترط البائع ذلك أو لم يشترط، فما دام ثابتًا فإن شرطه لا يفيد إلا التوكيد فقط، هذا لا إشكال في جوازه وأظنه لا خلاف فيه أيضًا.

بقى لنا الكلام في الشرط الذي لا يلزم إلا باتفاقهما الذي الأصل عدمه، فهذا هو محل الخلاف، مثاله: اشتريت من صاحب السيارة الحمولة التي على ظهرها ولنقل: إنه حطب واشترطت عليه أن يحمله إلى البيت، أن يدخله في البيت وأن يكسره، هذه الشروط هل هي ثابتة بمقتضى العقد أم لا؟ أبدًا غير ثابتة، مقتضى العقد إذا اشتريت منه حمولة السيارة ينزل في الحال ويقول: أنت تحمله هذان الشرطان، اشترطت عليه أن يحمله ويُدخله البيت، قال بعض أهل العلم: إن هذين هما الشرطان اللذان نهى عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: "لا يحل شرطان في بيع" قال: هذان شرطان في بيع فلا يحل، لماذا؟ قالوا: هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتوالى شرطان في عقد واحد، ولكن هذا فيه نظر، لأن هذين الشرطين ليس فيهما محظور شرعي، فإذا قال قائل: بل فيهما محظور شرعي؛ لأن حمل الحطب وإدخاله لو لم يكن عقد بيع لاحتاج إلى أجرة ونسبة الأجرة إلى الثمن مجهولة، أنا اشتريته بمائة وقلت: بشرط أن تحمله إلى البيت وتدخل، البيت الثمن الآن مائة بالشرطين المذكورين، قلنا عن هذين الشرطين: لو أنهما كانا بأجرة لكان نسبة الأجر إلى الثمن مجهولة، ما ندري المائة هذه كيف نوزعها على الأجرة وعلى قيمة الحطب، فيعود ذلك إلى جهالة الثمن، وهذا هو وجه النهي مع أن الرسول نهى عنه وسكت، ولكن هذا التعليل عليل منقوض؛ لأنا نقول: هل لو اشترط عليه أن يحمله إلى البيت بدون أن يدخله البيت هل يصح الشرط؟ يصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل شرطان في بيع" حمله من مكان البيع إلى البيت يستحق الأجرة لو انفرد، ونسبة الأجرة هذه إلى الثمن مجهولة فينتقض، وحينئذ نقول: لابد أن ننزل الحديث على القواعد الشرعية، فلنبحث ما هما الشرطان اللذان إذا اجتمعا وقعنا في محظور، وإذا انفرد سلمنا من المحظور، يجب أن ننزل الحديث على أنه إذا كان هناك شرطان يوقعان الشارط في محظور شرعي فهما محرمان، وإن كانا لا يوقعانه في محظور شرعي فإن الحديث لا يشملهما، لكن هذا أيضًا لو قال قائل هذا فيه نظر؛ لأن الشرطين المشتملين على محظور شرعي محرمان سواء أضيفا إلى البيع أم لم يضافا إليه، فالجواب على هذا أن يقال: إن هذين الشرطين لا يستقلان عادة وإنما يكونان تابعين للعقد، فلهذا قال: "ولا شرطان في بيع" الشرطان في بيع إذا قلنا: إنهما ينزلان على ما إذا اجتمعا صار فيهما محظور شرعي، وإذا لم يجتمعا لو لم يكن فيهما محظور شرعي، ممكن أن ننزلهما على مسألة العينة، فأقول: بعتك هذا الشيء بمائة درهم مؤجلًا على أن تبيعينه بثمانين نقدًا، لو قلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>