في الفعل، لأن كلمة مفاعل تدل على المشاركة، فما هي المحاقلة؟ قلنا: إنها من الحقل وهو الزرع أو مكان الزرع، نقول:"أل" في قوله: "المحاقلة" وفيما بعدها للعهد الذهني، يعني: أن المحاقلة أمر معهود عندهم، يأتي الإنسان فيبيع حقله على الآخر بحقله، مثاله: عندي مزرعة وعندك مزرعة فبعتها عليك بمزرعتك وكلتاهما بُرّ، فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأن بيع البُرّ بالبر يُشترط فيه التماثل كيلًا، والتماثل هنا - والسنبل على رءوس سُوقه - لا يمكن فهو متعذر، إذن هذا فيه ملاحظة الربا، أما الجهالة فليس فيه جهالة؛ لأنه معلوم، ولهذا لو باع الزرع بدراهم جاز، فهو من باب الربا؛ لأن بيع البُرّ بالبُرّ لا يجوز إلا مع التساوي كيلًا والتقابض، مع أن هنا قد حصل التقابض، لأنه أعطاني المزرعة وأعطيته المزرعة، ولكن فات شيء آخر وهو التساوي أو التماثل.
صورة أخرى للمحاقلة: يبيع الزرع على شهر في بُرّ محصود يابس هذا أيضًا لا يجوز، لماذا؟ لتعذر العلم، فإذا فرضنا أن البُرّ المحصود معلوم فإن الزرع غير معلوم فيكون قد باع بُرًا غير معلوم ببُر معلوم فلا يجوز.
الثاني:"المزابنة" من الزبن، وهو الدفع بشدة، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع العِوض للآخر دفعًا بشدة، أي: بسرعة.
وما هي المزابنة نقول:"أل" فيها للعهد، أي عهد؟ الذهني، وهي بيع معلوم عندهم، وفُسر بأن يبيع العنب بالزبيب، مثاله رجل عنده شجر أعناب، وآخر عنده أكياس من الزبيب، فقال أحدهما لآخر: نتبايع هذه الأشجار من الأعناب بهذه الأكياس من الزبيب، نقول: هذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ملاحظًا فيه الربا؛ لأن بيع العنب بالزبيب لا يجوز، إذ إنه يُشترط التماثل، والتماثل هذا معدوم، لأنه لو فرضنا ان اكياس الزبيب معلومة المقدار، لكن اشجار العنب غير معلومة المقدار، فلو قال: نخرص هذه العنب بمثل ما يئول إليه، قلنا: الخرص في هذا الباب لا يجوز إلا العرايا، ومثل ذلك أيضًا في المزابنة مثلها: إذا باع رطبًا على رءوس النخل بتمر من الزنابيل والأواني فإنه لا يجوز، لأن بيع التمر بالتمر يُشترط فيه التماثل، والتماثل بين الرُطب والتمر متعذر غير معلوم، فيكون هذا حرامًا ملاحظًا فيه جانب الربا.
الثالث:"المخابرة" وهي مأخوذة من الخبر، يعني: الزرع، والخبير الزارع مأخوذ من الخيارة، وهي في الأصل: الأرض الرخوة يزرع فيها الحب، والمخابرة "أل" فيها أيضًا للعهد، والمراد بها: المزارعة الفاسدة، ولها صور: الأولى: أن يقول: زراعتك على أن يكون لك البر ولي الشعير، هذا لا يجوز لماذا؟ لأن فيه غررًا قد يكون بالعكس.