الذهني فهو أن يكون مدخول "أل" معلومًا بالذهن، يعني: مفهومًا عند الناس، كما لو قلت: ذهب فان وفلان إلى القاضي، من القاضي؟ معروف، ينصرف إلى القاضي في المحكمة، نقول:"أل" هنا للعهد الذهني، هنا "إذا أتى سيده السوق""أل" للعهد الذهني؛ لأنه لم يسبق له ذكر، ولم تكن "أل" بمعنى اسم الإشارة، فكانت للعهد الذهني، يعني: سوق التجارة الذي يباع فيه ويشترى، وقوله:"بالخيار" هذه اسم مصدر ل"اختار"؛ لأن مصدر اختار اختيار، واسم المصدر خيار، واسم المصدر هو: ما وافق المصدر في معناه وحروفه الأصلية دون الزوائد مثل: كلام من كلم، والمصدر تكليم، سلام من سلم والمصدر تسليم، هنا خيار من اختار والمصدر اختيار، إذن فهو بالاختيار أي: ينظر ما هو خير له من إمضاء البيع أو الفسخ.
والحكمة من النهي عن تلقي الجلب هو ما أشرنا إليه فيما سبق أن فيه إضرارًا بالبائع وإضرارًا بأهل السوق، أما البائع فلأن المتلقِّي غلبًا يغبن المتلقِّي ولو لم يغبنه ما ذهب يتكلف ويخرج، والثاني: الإضرار بأهل البلد حيث يحرمهم الربح المتوقع من هذا الجالب.
في الحديث فوائد منها: أولًا: عموم الشريعة الإسلامية، وأنها كما جاءت في إصلاح الخلق في العبادات، وهي معاملتهم فيما بينهم وبين الله جاءت أيضًا بإصلاح الخلق في العقود وهي المعاملة فيما بين الناس، الرد على من زعم أن الدين الإسلامي ينظم العبادة فقط، وهي المعاملة مع الله، فإن الدين الإسلامي ينظم العبادة والمعاملة، ولا غرابة فإن أطول آية في كتاب الله آية الدَّين، وكلها في معاملة الخلق، ويكون هذا حجرًا يقذف في فم من قال: إن الدين الإسلامي لا ينظم إلا العبادة، نقول: الدين الإسلامي ينظم العبادات والمعاملات جميعًا.
ومن فوائد الحديث: حماية حقوق الناس؛ لأننا ذكرنا أن العلة في النهي عن تلقي الجلب هو دفع الضرر الحاصل على البائع وعلى أهل البلد.
ومن فوائد الحديث: أن من تلقى فاشتراه فشراؤه صحيح، لكن للمشتري الخيار.
إذا قال قائل: بم استدللتم على الصحة؟
نقول: بإثبات الخيار للبائع؛ لأن إثبات الخيار فرد عن الصحة.
ومن فوائد الحديث: إثبات خيار الغبن؛ لأن الشرع إنما جعل الخيار للمشتري منه المتلقي لأنه غالبًا يغبن، ووجه ذلك: أن هذا الذي اشترى منه إذا أتى السوق ووجد أن القيمة مناسبة فلا يختار الفسخ، إنما يختار الفسخ إذا وجد نفسه قد غبن، إذن فعلة ثبوت الخيار له هي الغبن، وعلى هذا فيكون في الحديث دليل على ثبوت خيار الغبن، ولكن هل الغبن ثابت في كل عقد يحصل به الغبن أم في صور معينة؟ في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: إنه خاص في صور معينة، وهي ما يحصل بالنَّجش أو بالاسترسال أو بتلقي الجلب، ومن العلماء