أولًا: لماذا قدر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر دون غيره؟
قالوا: لأن التمر أشبه ما يكون بالحليب؛ لأنه طعام لا يحتاج إلى طبخ، وفي أنه حلو كالحليب فكان أشبه ما يكون بالحليب التمر.
والسؤال الثاني: لماذا قدره بصاع مع أن اللبن قد يكون كثيرًا يساوي أكثر من الصاع، وقد يكون قليلًا لا يساوي الصاع، وقد تكون قيمة اللبن مرتفعة أكثر من قيمة الصاع، وقد تكون نازلة دون قيمة الصاع؟
فنقول: إنما قدّره النَّبي صلى الله عليه وسلم بالصاع قطعًا للنزاع، لأنه لو قال: صاعًا من تمر مقابل للحليب لو قال ذلك لحصل نزاع بين البائع والمشتري، البائع يقول: إن اللبن أكثر من ذلك، والمشتري يقول: إن اللبن أقل، فإذا كان مقدرًا من قبل الشرع رضي الجميع ولم يحصل نزاع.
السؤال الثالث: لماذا لم يوجب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ اللبن الذي حلب لأول مرة؟
والجواب على ذلك نقول: أولًا: اللبن قد لا يبقى إلى ما بعد ثلاثة أيام، ثانيًا: أن اللبن من حين عقد البيع فإنه سيزداد؛ لأن المشتري ليس من اللازم أن يحلبها من حين أن يشتريها، قال: ربما تبقى ساعة أو ساعتين وفي هذه المدة تدرّ البهيمة لبنًا، فيختلط لبن المشتري مع لبن البائع، وإذا قلنا: يجب عليك أن ترد اللبن صار نزاع؛ لأن ردّه متعذر أو متعسر، فهذا أوجب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر.
٧٨٢ - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"من اشترى شاةً محفَّلةً، فردَّها، فليردَّ معها صاعًا". رواه البخاريُّ.
-وزاد الإسماعيليُّ:"من تمر".
فيستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: تحريم تصرية الإبل والغنم للنهي في قوله: "لا تصروا".
فإذا قال قائل: ما الحكمة من ذلك؟
الجواب: أن الحكمة لذلك أمران: الأول: إيذاء الحيوان؛ لأن حبس اللبن يتأذى به الحيوان، الثاني: أنه غش للمشتري ظاهر، وقد ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من غشّ فليس منا".
ومن فوائد الحديث: أن المشتري للمصرَّاة يخيَّر بين ردها أو إمساكها لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن ابتاعها فهو بخير النظرين".