لكن إذا قصد به المحرم صار حرامًا لغيره، كما أن المباح يكون واجبًا لغيره، مثل لو يم يكن عندك ماء وحضرت الصلاة، وأردت الوضوء ووجدت الماء يباع في الأسواق كان واجبًا عليك أن تشتري الماء لتتوضأ به مع أنه لولا هذا لم يجب عليك أن تشتري الماء، وقد يكون الشيء مسنونًا وهو في الأصل مباح كما لو اشترى الإنسان مسواكًا فأصل الشراء مباح وإذا اشترى مسواكًا ليتسوك به صار سنة، أو طيبًا يتطيَّب به كان سُّنة، وعلى هذا فقس، المهم أن كل مباح ممكن أن تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب النية والقصد، إن قصدته لأمر حرام صار حرامًا؛ لأمر واجب صار واجبًا، لأمر مستحب صار كذلك، لأمر مباح فهو مباح.
٧٨٥ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضَّمان". رواه الخمسة، وضعَّفه البخاريُّ وأبو داود، وصحَّحه التِّرمذيُّ، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبَّان، والحاكم، وابن القطَّان.
والحديث صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"، فما هو الخراج؟ الخراج هو الغنم والكسب والربح وما أشبه ذلك، قال الله تعالى: } أم تسئلهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرزقين {[المؤمنون: ٧٢]. فخراج الشيء يعني: غنمه ونماؤه وما أشبه ذلك، فخراج الدابة مثلًا لبنها وصوفها وولدها، وخراج النخلة ثمرتها وعسيبها وفسيلها، وهلم جرَّا، خراج العبد: كسبه ومنفعته، وعلى هذا يطَّرد هذا الباب، ف"الخراج" الغلة والنماء والكسب، "بالضمان" الباء للبدلية أو للسببية، ومعنى "بالضمان" أي: أنه بدل عنه وسبب له، والمعنى: أن كل من له خراج شيء فعليه ضمانه وليس كل من عليه ضمان شيء فله خراجه؛ لأن الغاصب عليه الضمان وليس له خراج، لكن من له الخراج فعليه الضمان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"؛ ولذا قلنا: الضمان بالخراج لا يصح، فكل من له خراج شيء فعليه ضمانه.
إذ قال قائل: مثل لنا؟ نقول: المشتري عليه ضمان المبيع من حين العقد فيكون له خراجه من حين العقد، هذا رجل اشترى عبدًا بعشرة آلاف ريال وبقي عنده أسبوعًا كل يوم يدخَّل له مائة ريال، كم دخل في الأسبوع؟ سبعمائة ريالًا لما انتهى الأسبوع تبين أن في العبد عيبًا، وأنه يسرق، والسرقة في العبد عيب، فأراد أن يردَّه، فردَّه على البائع، هل يردّ معه سبعمائة ريال؟ لا، السبعمائة نسميها خراجًا فلا يردها، لماذا؟ لأن العبد لو تلف في هذه المدة -السبعة الأيام- لم