يقول:"ليشتري به أضحية أو شاة"، لا منافاة بين اللفظين؛ فإنه أعطاه ليشتري به شاة لأضحية، فيكون بعض الرواة اقتصر على أحد اللفظين، فاشترى رضي الله عنه شاتين بالدينار الواحد، ثم باع إحداهما بدينار، فرجع بشاة ودينار، فربح النبي صلى الله عليه وسلم شاة ولم يخسر شيئًا فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في بيعه مكافأة له على إحسانه؛ لأن هذا الرجل أحسن التصرف، اشترى شاتين بدينار وباع شاة واحدة بدينار، فدعا له بالبركة مكافأة له على إحسانه، فقبل الله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، "فكان -هذا الرجل- لو اشترى ترابًا لربح فيه"، وقوله:"ترابًا"، يعني: لو اشترى شيئًا لا قيمة له، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر المؤلف هذا الحديث في كتاب البيع؛ لأنه يتضمن بيعًا وتوكيلًا في البيع، ويتضمن أشياء عديدة من البيوع تذكر في الفوائد إن شاء الله، وأظن هذا الحديث واضح المعنى، ولكن فيه فوائد، الأولى: جواز التوكيل في البيع والشراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل عروة البارقي، ويتفرع على هذه الفائدة: أن التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد مع أن الموكل في قلبه نوع من الاعتماد على الوكيل، لكن هذا الاعتماد ليس اعتماد افتقار، وإنما هو اعتماد سلطة، إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة لأن المعروف والفضل فيما إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة للموكل على الوكيل، فهو يرى أنه معه ذو سلطة لا يرى أنه يعتمد عليه اعتماد افتقار، وإن كان محسنًا -أعني: الوكيل- متبرعًا فإن الموكِّل لا يعتمد عليه اعتماد افتقار ولا اعتماد سبب مستقل، وحينئذ لا ينافي التوكل على الله، ولا يمكن أن ينافي التوكل، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم سيد المخلصين -عليه الصلاة والسلام-.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في شراء الأضحية، من أين يؤخذ؟ من أنه وكله لشراء أضحية، وهل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟ الجواب: نعم، يجوز أن يوكِّل شخصًا ليذبح الأضحية كما وكل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يذبح له هديه.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكل.
فإذا قال قائل: هل هاتان الشاتان في مقابلة الشاة لأنهما ضعيفتان؟ الجواب: هذا بعيد، والظاهر أن عروة رضي الله عنه يسَّر الله له شخصًا محتاجًا فباع عليه هاتين الشاتين مع أن كل واحدة